محمد الرميحي
يبدو أن العالم يدخل في منحنى جديد في العلاقات الدولية بسبب ما سماه الرئيس الأمريكي مجازاً (يوم التحرير)، أي تلك الحزمة من السياسات الحمائية على المنتجات القادمة من الخارج، من الدول الصديقة وغيرها على حد سواء. النتائج في أولها، وقد تكون في نهاية الأمر خبراً مفرحاً أو خبراً سيئاً للأطراف المختلفة، يعتمد ذلك على طريقة لعب الأطراف أوراق القوة التي تمتلكها.
أوروبا شهدت الصدمة الأكبر، وصحيح أن العلاقات الأوروبية الأمريكية لم تكن دائماً سلسة، فقد شهدت عدداً من الخلافات التي يمكن أن تكون جانبية، إلا أن الخلاف الحالي شكل شبه صدمة، وبعض الأوروبيين يشيرون إلى أنه (نداء يقظة) متأخرة، في الاعتماد على تحالف ظنه البعض أنه دائم ومبدئي.
في السابق تجد أن المشتركات بين أوروبا والولايات المتحدة تتغلب على الاختلاف، كان التعاون في مواجهة التحديات المشتركة يتفوق على الخلاف، كما حدث في محاربة الإرهاب الدولي، أو حتى في فترة أخيرة التغير المناخي، التوقيت غير مريح للاقتصاد الأوروبي، الذي كان يعتمد على طاقة روسية لم تعد متوفرة، وبضائع رخيصة من الصين!
كانت المنافسة بين الاقتصادين الأمريكي والأوروبي عملية مفيدة لكليهما، وتؤدي إلى التجويد وتقديم البدائل الأرخص، حتى تقدم العملاق الصيني للمنافسة، فلم يعد الأرخص النسبي هو المنافس، أي البضائع والخدمات القادمة من كلا المكانين الأمريكي والأوروبي، بل البضائع والخدمات القادمة من الصين، حتى غدا تطبيق (تك توك) يشكل إدماناً للمستهلك الأمريكي يجبر السياسيين على الإنحناء والقبول به.
من المفارقات أن سياسة الحمائية الأمريكية، وهي في أيامها الأولى، وقد أغاظت الدول الأوروبية، أن يخرج إيلون ماسك، القريب جداً للرئيس ترامب ومكان ثقته بتطوير الإدارة والتقنية، يخرج إلى العالم باقتراح إنشاء (سوق حرة) بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تكون فيها الضرائب صفراً، أي هو تبادل حر غير مقيد، لقد أفزعت إيلون ماسك المستثمر، النتائج الفورية السلبية لسياسة الحمائية!
في ظل الظرف القائم، والتسعين يوماً المقترحة، تجد أوروبا نفسها في مأزق، وقد تتجه الدول الأوروبية لبناء تحالفات جديدة مع دول أخرى متضررة، لتعزيز موقفها الاقتصادي، وبناء شراكات جديدة وأسواق جديدة، بينما تتجه الولايات المتحدة لبناء علاقات مع الأعداء السابقين، ما يخل بمنظومة العلاقات الدولية التي عرفناها في سبعين سنة ماضية، وبخاصة انقسام الغرب على نفسه.
قد نشهد حرباً تجارية ضد الشركات الكبرى الأمريكية العاملة في أوروبا، وبخاصة شركات التقنية، وفرض رسوم أو حتى عقوبات عليها، والتحول تدريجياً، إن استمر الوقت، إلى، إما إنتاج شركات تقنية أوروبية، أو استخدام التكنولوجيا الصينية. لقد أوقفت بعض دول أوروبا في وقت سابق استخدام نظام الاتصال المتقدم الصيني (G5) بناء على نصائح أمريكية، تحت ذريعة الأمن القومي المشترك، ومع مفارقة أمريكا للنظام الأمني المشترك، لم تعد هناك حجج تقدم للمستهلك الأوروبي على عدم استخدام تقنية أفضل وأسرع وأرخص من الصين.
قد تكون هنا أيضاً فرصة للدول النامية بتعزيز شراكاتها مع أوروبا في سبيل ضبط الأسعار للسلع والخدمات بحيث يستفيد الجانبان، والحد ما أمكن من تبعات وأضرار (يوم التحرير) الأمريكي، والتي سوف تشهد الجزر والمد في الأشهر القليلة المقبلة.