: آخر تحديث

مغارة الخيريات المجهولة

9
6
6


طالما كتبنا ونصحنا جهات حكومية عدة بضرورة القيام، بإرادتها، بإصلاح أوضاع وزاراتها، وتطبيق بنود عشرات الاتفاقيات التي قمنا بالتوقيع والمصادقة عليها، سواء ما تعلق منها بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أو الجمعيات الخيرية وحقوق الأطفال ووضع المرأة، والاهتمام بكبار السن وغير ذلك، وضرورة إعادة النظر في الكثير من القوانين، القديمة وغير الإنسانية، لكن تاريخياً، لم تلتفت إلا جهات قليلة لسابق تحذيراتنا، إلا أن التجاوب في الأشهر الأخيرة كان ملحوظاً، وغالباً ليس برغبة، بل بسبب تزايد التحذيرات والضغوط الخارجية، ومنها «مجموعة العمل المالي» FATF الدولية، التي تهدف إلى مكافحة غسل الأموال، وكشف مصادر تمويل الإرهاب، وحماية النظام المالي العالمي من التهديدات، ومراقبة الامتثال لتوصياتها، ووضع المخالفين في قوائم رمادية وسوداء، وتعرضها لعقوبات اقتصادية قاسية ومكلفة، ومن هنا جاءت قرارات إغلاق الكثير من محال الصيرفة، وعدد من المبرات والجمعيات «الخيرية»، التي بُحّ صوتنا ونحن نطالب بمراقبة أنشطتها على مدى أكثر من ربع قرن.

أطلقت وزيرة الشؤون، كما سبق أن فعل من سبقها، على مدى عقود، تحذيرات قوية لبعض الجمعيات الخيرية، التي «حادت» عن المسار، وهي تهمة مخففة مقارنة بما قامت به من أعمال مشبوهة ومخالفات جسيمة، ولكن التحذيرات جاءت هذه المرة بسبب ضغوط داخلية ودولية، سببها تردد وعجز الوزارة عن السيطرة على بعض الجمعيات، ومعرفة طريقة صرفها في الخارج، بسبب قوة تأثير من يديرونها، وحجم المبالغ الضخمة التي بين أيديهم، والتي لا تخضع لأية رقابة، وكل من يقول خلاف ذلك، إما أنه غير صادق، أو لا يعرف حقيقة ما يجري في هذه الجمعيات.

إن العمل الخيري لا يحتاج لتطوير وتعديل ونصح، بل إلى نسف كامل، أياً كانت الجهات التي تقف وراءها. فسبق أن كتبت مقالاً قبل سنوات اتهمت فيه هذه الجمعيات بشفط أكثر من 50 مليار دولار من أموال المتبرعين، ولا تعلم أية جهة إلى أين انتهت. فقامت حينها اثنتان منها بمقاضاتي، لكن القضاء العادل برّأ ساحتي، بعد أن قدمت ما لدي من مستندات!

إن الوضع خطير، وسمعتنا دولياً على المحك، وما يتم تداوله من أموال في هذه الجمعيات، والتي لا تخضع لأية رقابة، يمكن أن يخرّب أكثر الضمائر عفة، ولا يجب بقاء الوضع على ما هو عليه!

كما أن مطالبة الوزارة، الجمعيات بالتعاون لن تجد غير آذان من طين، فالمسألة فيها مئات ملايين الدولارات سنوياً، فأي تعاون تتوقعه الوزارة؟ فقد نجحت جمعية واحدة، مؤخراً، وخلال أيام، من جمع قرابة 13 مليون دولار لبناء مستشفى في غزة! فهل هناك من يصدق أن مثل هذه المشروع يمكن أن يتحقق، قبل أن يتبخر المبلغ؟

كما نجحت جمعيات، خلال شهر رمضان، بالرغم من كل القيود، من جمع أكثر من 70 مليون دولار لتمويل مشاريع خيرية، عددها أكثر من 300 مشروع، تغطي 75 دولة، من اليابان مروراً بآسيا وأفريقيا، وصولاً إلى الأمازون، ولا يعرف أحد طبعاً إلى يد من ستنتهي هذه الثروة؟!

ما تبديه الوزارة من تفاؤل لا يعني شيئاً، بل يتطلب الأمر الحسم، ومنع الجمعيات من جمع أية مبالغ فوراً، فجميع مشاريعها الخارجية تحوطها الكثير من الشبهات، وما صدر عن وزارة الشؤون من أنها أوقفت جمع كل التبرعات لمشاريع خارجية، وحصر مسؤولية إصدار الموافقات عليها مستقبلاً بوزارة الخارجية، لا يمثل الحقيقة! ولدي ما يثبت تبرّعي بالأمس لأحد تلك المشاريع الخارجية، التي لا تزال، هي والعشرات غيرها، مستمرة في عملياتها المشبوهة.

الأمر ليس هفوات وأخطاء يمكن تعديلها، بل عملية خطيرة ضارة بوضع البلاد المالي وسمعتها، وإثراء غير مشروع لبعض المشرفين على جمعيات لا نعرف شيئاً عن حقيقة أنشطتها، ومع هذا مستمرة في جمع الملايين! فكيف يكون حجم ما جمع من أموال خلال حملة الغارمين، التي جندت لها الدولة كل طاقتها، بكل ذلك التواضع، مقارنة بما جمعته الجمعيات من أموال في الفترة نفسها لمشاريع خارجية، والتي بلغت أضعافها؟ الجواب لأن الحملة الأولى لا مصلحة للجمعيات الخيرية من ورائها، بينما جمع الأموال لمشاريع خارجية تضمن للقائمين على بعضها أرباحاً هائلة.

أستطيع القول، بضمير مطمئن، إن لا أحد في الدولة يعلم يقيناً ما تقوم به الجمعيات الخيرية.. في الخارج!


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد