: آخر تحديث

التفاوض تحت السلاح

1
1
1

جمال الكشكي

شيء قاسٍ أن تظل على مدار ثمانية عقود توقع على استلام جثث، وشيء مؤلم أن تجد الأبواب مغلقة كلما فتحت نافذة. جولة جديدة من الدم، استدعاء لرائحة الموت، إسرائيل تستأنف الحرب على قطاع غزة، ثمة سؤال يطرح نفسه الآن: ماذا يريد بنيامين نتنياهو من استئناف الإبادة، وارتكاب المجازر في غزة مرة أخرى؟.

يبدو السؤال بسيطاً، لكنه في جوهره عميق، ولديه تشابكات معقدة، فبنيامين نتنياهو لديه تصور بأن القوة الغاشمة وحدها هي التي ستجعل إسرائيل تقوم بترتيب خريطة الشرق الأوسط، حسب مزاعمه، ومزاعم تياره شديد التطرف، القائم على فكرة التطهير العرقي، والإبادة، والتوسع في إراقة الدماء، وتمزيق الخرائط العربية المستقرة.

وذلك بهدف إنشاء خريطة توراتية واسعة، على حساب الخريطة العربية، فما يحدث الآن، هو مسار لتنفيذ هذا المخطط، والدليل أن نتنياهو لم يستأنف الحرب في غزة وحدها، بل هاجم الجنوب السوري في التوقيت نفسه، وفي الآن ذاته، لم يتوقف عن الهجوم على الأراضي اللبنانية، ويؤكد أن كل الأراضي التي سيحتلها في أي خريطة عربية، ستكون ضمن حدود إسرائيل.

فضلاً عن أن نتنياهو استطاع الاستقواء بدعم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فرئيس الوزراء الإسرائيلي التقط إشارات ترامب، وباغت سكان غزة فجر يوم الثلاثاء الماضي، مستأنفاً الحرب التي استمرت ما يزيد على خمسة عشر شهراً، بهدف توسيع نطاق الحرب في الشرق الأوسط، وإرباك كل خطوات التفاوض المستمرة منذ إعلان وقف إطلاق النار في 19 يناير الماضي، وانتهاء مهلة المرحلة الأولى من الهدنة في أول مارس الجاري.

هو لا يريد إيقاف إطلاق النار، وليست لديه تصورات عن السلام، أو الانتقال للمرحلة الثانية والثالثة، ولا يشعر بغضاضة من التضحية بأسراه لدى حماس، برغم كل ضغوط الشارع الإسرائيلي عليه، ورغم التشققات الهائلة في مؤسسات الاحتلال، بعد طرده لرئيس الشاباك من موقعه، وجد نتنياهو نفسه محاصراً من المؤسسات الرسمية والمعارضة، وبات قاب قوسين أو أدنى من المحاكمة، لا سيما أنه كانت لديه جلسة قضائية حول جرائم فساده في نفس يوم قصف غزة.

فضلاً عن أنه أمام استحقاق التصديق على ميزانية الدولة، وكان يحتاج إلى دعم من شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف، الذين اشترطوا عليه العودة مقابل استئناف الحرب.

وفي قرار انتهك كل القوانين الدولية والقوانين الإنسانية الدولية، والإرادة الدولية التي تدعم الهدنة ووقف إطلاق النار، أراد رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يتفاوض تحت سقف السلاح، وبحصانة الدماء، وإرسال رسائل أخرى إلى إيران، لا سيما أن هذه المجزرة على قطاع غزة، جاءت بعد ساعات قليلة من الضربات الأمريكية على اليمن، وتهديد إيران بالحرب. لذا، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية استغل هذه الأجواء المتصاعدة في الشرق الأوسط، لإحياء مخططاته الخطيرة على الاستقرار، ويبدو أنه ينتهج فلسفة الضغوط القصوى التي تتبعها واشنطن- ترامب مع طهران.

لا شك أن هذه الأفكار وهذه الفلسفة، قد تكون ناجحة على المستوى المرحلي، لكنها قطعاً فاشلة على المستوى الاستراتيجي والمدى البعيد، فما حدث في قطاع غزة، والعودة الإسرائيلية إلى الحرب، وارتكاب الجرائم مكتملة الأركان، إنما هي خطوة من شأنها توسيع مساحة القلاقل والتأزيم داخل المنطقة، والإقليم، بل داخل إسرائيل نفسها، فهي لن تستطيع -وهي صغيرة الحجم- أن ترسم خرائطها الجديدة على حساب الخرائط العربية، كما أن الفلسطينيين أنفسهم لن يقبلوا بأي مخططات من شأنها تصفية قضيتهم العادلة، وحقهم في إقامة دولتهم المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

ولا يغيب عن المجتمع الدولي أن نتنياهو وحكومته معرضون للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، التي أصدرت فتوى بضرورة خروج إسرائيل من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها خلال 12 شهراً. وليس بعيداً أن تتحرك الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، وهناك بالفعل دول اعترفت بالدولة الفلسطينية الكاملة، وبالتالي، فإن حصار نتنياهو للفلسطينيين لن يصمد أمام إرادة الفلسطينيين أولاً، وإرادة العرب ثانياً، وإرادة المجتمع الدولي ثالثاً.

إن ما يحدث الآن من استئناف الحرب، وكسر هدنة وقف إطلاق النار، إنما يعكس فلسفة فاشلة، يسابق بها نتينياهو الوقت لتنفيذ مخطط من المستحيل أن يحدث، مهما تكن أوضاع المنطقة والتحديات التي تواجهها، فـ «على هذه الأرض ما يستحق الحياة»، كما قال الشاعر محمود درويش ذات يوم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد