أحمد الشمراني
كما هم كثيرون من الجميلين حينما يتعب الحال ويدهمهم المرض ينزوون بوجعهم ولا يحبون إشغال من يحبون بتعبهم.
رحل الشاعر عبدالله الأسمري وترك لنا تقليب أوراق وجعه من خلال نزف أبكى كل من مروا عليه ففيه كثير منا.
يقول في إحدى وصاياه:
وانتي بتجين..
مري على قبري معك..
يمكن تشوفينه حزين..
ويمكن تشوفيني هناك..
وتكون لي فرصة عمر...
عشان اموتك مرتين..
صالح الشهري، وناصر الصالح، وعبدالله الأسمري عاشوا سوياً يتقاسمون الألم والوجع ويهدون لنا الأمل.
غادر الثلاثة وبقي جمالهم يكتبه بتعب صديقهم الشاعر علي العسيري، ففي النورس الذي «مالقا له أهل قصة» لم ترو بعد عاشها علي مع الثلاثة.
رحل يا علي عبدالله وما زلت أذكر (تعثر في طرف ثوبه) التي تحولت من موقف إلى قصيدة مغناه.
ما هو ضروري التفت وادورك بين الجمـــوع..
من لذة الطعنة عرفت ايدك وانا ما شفتها..
ليه التفت ما دمت انا ماني من انصار الرجوع..
وكل الحلوم الماضيات اللي معك أحرقتها..
قالها عبدالله ورحل وتهت بين أن أرثيه أم أرثي الطيبة من خلاله، فمن يعرف عبدالله الأسمري يعرف ماذا أعني.
ذات ليلة على كورنيش جدة كنت وصديقنا المشترك سعد زهير نسمع عبدالله يردد بعضاً من نزفه وأسر لي بنص بكى قبل أن يكمله.
هذا النبيل هو من أرثيه بكلمات قالها الجميل عبدالله ثابت أرى فيها فقد عبدالله: مات شاعر في مكان ما من هذا الوجود، ماتت في مكان آخر شجرة، وتساقطت أوراقها قبيل الفجر. إذا مات شاعر انطفأت نجمة، وتخاصم حبيبان وضاع خاتم وأصبحت الدنيا أقل، إذا مات شاعر أوصدت نافذة وبكت خلفها الفتاة والسقف والوسادة وإذا مات شاعر تنسى القهوة المواعيد ويعتذر الطل من الزهرة ولا يتلفت الصبح إلى وجه الحمامة..!