: آخر تحديث

الهاتف وسيدة البيت

6
6
5

أحمد المغلوث

كانت الصالة عامرة بتواجد عدد من أبناء سيدة البيت الذين عادوا من العاصمة، ورفعت والدتهم رأسها من مطالعة أحد الكتب، ووجهها الباسم تغمره علامات السعادة والسرور بتواجد أبنائها، ومع هذا بعضهم راح يواصل عمله افتراضيا عبر «الإنترنت» وأصغرهم، يواصل تصفح الايباد، ومع هذا كانت العيون تتجه إلى شاشة التلفزيون الكبيرة، فالأخبار تتدفق كشلال من المياه، تبث لحظة بلحظة كل ما يستجد من أخبار عن «كورونا» المستجد وسيدة البيت على مقعدها الوثير الذي يحتل ركنا خاصا في الصالة، وبجانبها خزانة صغيرة وأنيقة تحتوي علي أدوية مختلفة لها ولزوجها وفي «الرف» الأول داخل الخزانة القرآن الكريم أنيسها الدائم ومفكرتها العزيزة التي تسجل فيها خواطرها، وكم لديها من دفاتر ومفكرات منذ كانت طالبة في معهد المعلمات، وهي تعشق تسجيل ما يخطر في ذهنها من أفكار أو خواطر أو عبارات أعجبتها آه إنها تبتسم الآن وهي تطالع عبارة قالها: برنارد شو الكاتب الساخر عن الحياة، وكيف كان يراها يقول: ليست الحياة في نظره شمعة مضيئة وحسب بل مشعل متوهج أمسكت به الساعة، وأريد أن يشتد توهجه قبل أن أسلمه للأجيال المقبلة).

تبسمت وراحت تنظر لابنيها وشقيقتيهما، والأحفاد والحفيدات، وهي تردد بينها وبين نفسها كم أنت رائع يا شو، كلماتك وأفكارك في الصميم، وحمدت الله أنها لم تضيع وقت فراغ في حياتها، فبعد ما تنتهي من أعمال بيتها ومتطلبات أسرتها فهي تملك كنزا لا مثيل له، فدائما هو بجانبها إنه كتاب الله «القرآن الكريم».

وفي حال لا تتواجد بجانبه، فلديها نسخة أخرى بجانب سريرها بل إنه موجود في جوالها هاتفها الذكي والساحر فهو أنيسها الدائم.

حمدت الله أنها لم تضيع لحظة فراغ في حياتها فهي دائما تقرأ حد العشق، وعندما سمع الهاتف الثابت ما دار في فكرها تبسم ضاحكا وراح يقول: احنا هنا يا سيدتي. إنني أغبط هواتفكم الذكية لكونها سحبت البساط من تحت أقدامنا، وبات بعضنا نسيا منسيا، لكننا نسمع ونرى ولو في الخيال -والحمدلله- هناك من يفضل الاتصال من خلالنا خوفا من ظاهرة التهكير الحقير، وهذه الأيام تضاعف اتصال بعضنا، فهم يحبذون الاستئناس بأحاديثهم أكانوا رجالاً أم نساءً، فنحن كما يؤكد بعضنا أكثر أمنا وطمأنينة، وراح يقول همسا يا سيدتي، كم أنا أفخر، وأعتز وأنا ما زلت أحظى بتقدير ملايين من النساء اللواتي في مثل سنك مازلن يستخدمن أمثالي من الهواتف الثابتة والتي لا غبار ولا خوف منها، فتبسمت سيدة البيت وهي تسمع ما قاله الهاتف الثابت.. وردت عليه بارك الله فيك. لا يمكن أن ننسى أمثالك، وأنا شخصياً وعندما كنت طفلة كان في بيتنا «تلفون أبو هندل» وأمثال جدك الأكبر لا يمكن أن ينسى.

وبالمناسبة أحب أن أشير أن بعض نسلكم باتت تباع بأسعار خاصة لعشاق الانتيكا، وبأسعار غالية جداً والمتاحف في مختلف دول العالم، وحتى بلادنا تفخر بوجودها فيها..

وأضافت بعدما اعتدلت في جلستها وقالت: على فكرة تري من أقدم الهواتف القديمة هاتف قدم هدية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أمد الله في عمره وظهرت صورته إلى جانبه عندما كان أميراً لمنطقة للرياض خلال استقباله لرئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو عندما زار المملكة، وهذا دليل أننا لا ننكر جميل أمثالكم، وحينئذ رن هاتفها الذكي، وكانت السيدة على وشك أنها حديثها مع الهاتف الثابت؟!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد