كتب الزميل سامي البحيري مقالا عن الاسماء، ذكر في فقرته الأولى: عندما كنت طفلا صغيرا في مصر كان البعض يسألونني عن اسمي، وبعد أن أخبرهم به، كانوا يقولون: عاشت الأسامي، وكنت أسعد جدا وأنا طفل بتلك العبارة، لاعتقادي، مغرورا، أن لها علاقة باسمي (سامي)! ولم أفهم يوما معنى دعاء «عاشت الأسامي»، لأن الأسامي غالبا لا تعيش ان مات أصحابها، وكان من الأفضل أن يقولوا: عاش صاحب الاسم الفلاني.
* * *
لا تمانع الدول الغربية، كأمريكا وكندا واستراليا، في قيام المهاجرين لها، بتغيير أسمائهم الأولى، كي تتلاءم مع مجتمعاتهم الجديدة، ويبدو أن الغالبية تفضل ذلك، إما خجلا من الاسم، الذي أعطته إياه اسرته، الذي كان يتمنى دائما تغييره، أو لرغبته في أن يكون ملائما أو أقل «إحراجا» لمجتمعه الجديد، لذا كان من الطبيعي ان توفر غالبية دول العالم حق تغيير الاسم، لمن يرغب. وعندما كنت أعمل في الستينيات في أحد المصارف، كنت أتلقى طلبات تغيير اسم الحساب، من واقع قرار لجنة التسميات المنشور في الجريدة الرسمية، وهذا بالضبط ما فعله بعض من هاجروا لأوروبا وأمريكا، فقد رأوا أن التسمي باسم شائع في مجتمعهم الجديد سيسهل عملية اندماجهم فيه، وتقبل الآخرين لهم، خاصة أن بعض الأسماء أصبحت في الغرب مرادفة لأسماء من تسببوا في إيقاع الكثير من الأذى بهم، وأصبح الاسم بالفعل مصدر قلق للبعض. فقد يكون للاسم الأول مثلا دلالات ومعان عادية في مجتمع ما، ومعان مختلفة تماما في مجتمع آخر، وقد تكون الدلالات سيئة أو مضحكة أو محرجة جدا أحيانا. وأعرف أبناء بعض الأسر الخليجية التي تتجنب السفر لبعض دول المغرب العربي، مثلا، لما لاسمائها، الأولى أو الأخيرة، من معان مضحكة.
كما درجت عادة البعض، في الكويت مثلا، على إضافة حرفي «أل» للاسم الأخير، أو اسم العائلة ليعطيه معنى يفيد الانتساب لأسرة معروفة. كما قام الكثيرون، خلال فترة إعطاء الجنسية، في بداية الستينيات، بتغيير اسمائهم أو ألقاب أسرهم، ونجح البعض في إقناع لجانها بأنهم ينتسبون لأسر كبيرة أو ثرية، بخلاف الحقيقة. كم اختار الغالبية إضافة حرفي الألف واللام لاسم المنطقة، الدولة أو المدينة أو القرية، التي قدموا منها، أو اسم المهنة التي كان جدهم يمارسها، أو حتى ادعاء ذلك.
أهمية اسم العائلة موضوع يشغل بال الكثيرين، وتتناقص أهميته مع رقي الدولة وتقدمها، فهي من آثار العزوة والجاهلية القديمة والاستقواء بالقبيلة. وأهمية الاسم تزداد بضعف الدولة. ولذلك نرى أن تغيير الأسماء أمر نادر في المجتمعات المتقدمة، بعكس غيرها. كما نجد في دول كلبنان ومصر، أن التوظيف، مثلا، يتم في أحيان كثيرة على أسس دينية أو مذهبية، ومن يحمل اسما لا يدل على انتمائه، بوضوح، يستبعد، أو يطالب بتوضيح انتمائه. أما في أمريكا، وفي أوروبا بالذات، فقد كان التضييق، تاريخيا، من نصيب حامل الاسم اليهودي، الذي لم يكن يرحب به، وعادة كان هؤلاء يخفون انتماءهم بتبني اسماء مسيحية. وكان من الطريف قيام عدد من يهود أمريكا بالكشف عن حقيقة انتمائهم الديني، بعد انتصار إسرائيل الساحق في حرب 1967.
ينهي الزميل سامي مقاله قائلا، ان اليهود لم يكونوا الوحيدين الذين كانوا يغيرون أسماءهم لتجنب الاضطهاد، حيث ان مسيحيي دول عربية عدة تستخدم أسماء إسلامية، أو غالبا محايدة مثل سامي، وكمال وشريف، وسارة، وليلى، وغالبا لتخفيف الاضطهاد ضدهم. وفي المقابل لا يتردد المهاجرون المسلمون العرب في إطلاق أسماء مسيحية صرفة مثل ميشيل، مارك، جون، على أبنائهم، «برضه» لتخفيف كم التحيز ضدهم. ونحن في الخليج، بشكل عام، لسنا بمنأى عن التحيز ضد الآخر، إن كان لاسمه دلالة معينة، لا نرغب فيها.
أحمد الصراف