: آخر تحديث

قلْ كلمتكَ وامشِ

1
1
1

تمتلئ وسائل التواصل الاجتماعيّ والشاشات بالتخريفات والهلوسات والتصوّرات والتخيّلات والبهورات الكلاميّة، حتّى ليعتقد المرء أنّ مَن يشارك في صولاتها وجولاتها فإنّما يتقدّم الخطوط الأماميّة لـ"المعارك" السياسيّة الجارية في الأروقة والدهاليز والصالونات الرسميّة وغير الرسميّة، ولا سيّما الآن في مسألة تأليف الحكومة، والتوزيرات، والأسماء المتداولة. لولا ذرّةٍ من عقل، يحسب المرء أنّ المواقف هذه، والتصريحات، والعنتريّات، وما يرافقها من تسريباتٍ وأقاويل حول الشدّ والتشدّد هنا، والإرخاء والحلحلة هناك، والتفاوض، وهلمّ، جارٍ عبر هذه الوسائل، وإذا هو لم يشارك، فاته الإدلاء بدلوه لتغيير المعادلة الحكوميّة. المسألة أعقد بكثير. والمشكلة جذورها راسخة. وهي أشبه بسرطان. وقد أعلّق متداركًا فأقول: لمن المؤسف أنْ تكون أعقد بكثير. لكنْ مَن يدري، فلربّما يكون ذلك لحسن الحظّ، إذ نكون، والحال هذه، مدعوّين اضطرارًا إلى فرملة البهورات، والبحث عن طرقٍ أخرى لمواجهة سرطان... المافيا. التغيير الذي حصل على مستوى رئاسة الدولة، والرئاسة الثالثة، يترك الانطباع بأنّ "انقلابًا أبيض" قد حصل في الجمهوريّة، وبأنّ المافيا التي حكمت لبنان قد ألقي القبض عليها، وبأنّ الفاسدين والمفسدين لن يكون لهم موطئ قدم في الإدارة الجديدة، وبأنّ كلّ "التغييرات" الأخرى ستحصل بكبسة زرّ، وإذا تلكّأت فستتلاحق تباعًا. إذا كانت شبكات المافيا الإيطاليّة لم تسقط في الثمانينات من القرن الفائت إلّا عندما انبرى عضوٌ من الداخل، فقرّر أنْ "يخونها"، ويكشف النقاب عن رؤوسها المدبِّرة، فليس ثمّة حاجةٌ عندنا في لبنان إلى مَن يدلّ بالإصبع إلى سادة المافيا اللبنانيّة وأذيالها. هنا المافيا تعمل من أعلى سلّم الهرم إلى أدناه. وعلى عينكَ يا تاجر. النيّة الجيّدة موجودة. لا شكّ في ذلك. لكن هذا لا يكفي. واهمٌ مَن يعتقد أنّ الحكومة العتيدة ستكون حكومة قدّيسين وملائكة. ليس من قدّيسين وملائكة في السياسة، فكيف في السياسة اللبنانيّة. يجب أنْ نأمل. نعم، يجب أنْ نأمل. فالرجلان اللذان في السدّة الأولى والسدّة الثالثة يشيع وجودهما نوعًا من الأمل. وهو في محلّه. لكنّ المرء من حقّه أنّ يتوجّس، ويتخوّف، عندما يعرف أنّ حيتان المافيا "الأبديّة" يتقافزون بعيونٍ ماكرة، وأيادٍ متطاولة، في كلّ مكانٍ، مطالبين بهذه الحقيبة، وبهذا الإسم. ولا بدّ من أنْ يتوجّس أكثر عندما تتناهى إلى مسامعه بعض الأصداء والتردّدات "الواقعيّة" و"الموضوعيّة" في هذا الشأن. كان كامل مروّة، وهو أشهر من أنْ أعرّفه بوصف، صاحب مقولةٍ ثاقبةٍ ورؤيويّة تتقدّم مقالاته وكتاباته.  إنّي أختار هذه المقولة العظيمة عنوانًا لمقالي، لأكثر من سبب. منها، لأغمز من قناة "أبطال" وسائل التواصل الاجتماعيّ والشاشات. لكنّي أستعين بها، خصوصًا، لأنبّه مَن يجب تنبيهه. إنّ مغبّة الرضوخ للمافيا لن تُحمد عقباها. وإنّها لخطيئةٌ عظمى الوقوع في هذا المطبّ. على طريقة كامل مرّوة، أقول كلمتي هذه وأمشي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد