: آخر تحديث

لبنان... العودة إلى الأمام

3
3
3

لبنان يخرج من القفص، اللحظة فارقة، لم تكن تحتمل انتظاراً أكثر من ذلك. اختيار العماد جوزيف عون، قائد الجيش اللبناني، ليسكن قصر بعبدا بمثابة أوكسجين سياسي واستراتيجي للبنان الجالس تحت أجهزة التنفس منذ أكثر من عامين، عاش خلالها شغوراً رئاسياً، وانهياراً اقتصادياً، وحصاراً سياسياً، وتمزقاً وطنياً، واختطافاً للسياسة اللبنانية.

أقامت بيروت في عهدة الضياع، انطفأت خرائطها، باتت ملعباً للاعبين غير لبنانيين، حزم الأثرياء حقائبهم وغادروها تحت سيف الأمل المفقود، ليس هذا لبنان الذي عهدناه واجهة حضارية وثقافية وسياسية وسياحية، وقبلة للجمال والفن والموسيقى.

الآن، يغادر لبنان غرفة الرعاية المركزة باحثاً عن زمنه المضيء في أزمنة سابقة، أملاً في القفز إلى الأمام، نتذكر لبنان الحاضنة الثقافية العظمى في مراحل وعقود طويلة سابقة، كان فيها الخلية المضيئة بالأفكار الكبرى، وكان حاضراً في كل المحطات والمراحل العربية، يتأثر بها، ويؤثر فيها، ولديه مكانة مرموقة لدى العواصم العربية الكبرى، فما كان يوجع لبنان كان بالطبع مصدر ألم لكل العواصم العربية.

إن لبنان هو طائر الفينيق، الذي يصعد من تحت الدمار بعد أن يحترق، وقد احترق طوال القرن العشرين، وبداية القرن الحادي والعشرين، وكان لا بد له أن يصعد من جديد من تحت الرماد، ويقول كلمته، في وقت يشبه الاحتراق، فقد تم الاعتداء عليه طوال الوقت من قبل إسرائيل، وعانى حرباً أهلية، وتدخلات إقليمية مباشرة، ودولية غير مباشرة، وكأن مساحته التي تمتد إلى نحو أحد عشر ألف كيلومتر مربع، اتسعت للقوى الدولية، لتأخذ منها ما تشاء من نفوذ.

باتت أحداث لبنان، تحتل الصفحات الأولى، ومقدمة أخبار النشرات الإعلامية، وتداعى إليه المبعوثون الدوليون والوسطاء، حتى كاد يتحول إلى «المريض المزمن»، لدرجة أن كثيرين من محللي السياسة، اعتقدوا أنه لا أمل في الشفاء.

لكنه عاد بانتخاب رجل خرج من بين صفوف الشعب، وابن بيئة وطنية، وطبقة متوسطة، التحق بالكلية الحربية، وترقى عاماً بعد آخر، وحصل على أعلى الأوسمة، حتى صار قائداً للجيش في مرحلة مفصلية تنهار فيها الأنظمة والدول الوطنية.

استطاع الرجل أن يحافظ على كل الخيوط الممتدة بين الطوائف اللبنانية، بات كمن يمشي على حبل مشدود تارة، أو كمن يعبر حقل ألغام تارة أخرى، لكن مواصفات هذا الرجل اعتبرها الجميع الدواء الناجع الذي يتوافق مع الجسد اللبناني المتنوع بالطوائف، والمذاهب. الرئيس جوزيف عون، هو حاصل جمع كل اللبنانيين، يحظى بتوافق لبناني نادر، وقبول عربي ودولي فريد.

المهمة ثقيلة في توقيت صعب على الإقليم ولبنان، لكنها ليست مستحيلة، أعيد وأكرر، لبنان هو طائر الفينيق، لا بديل عن استعادة عافيته بوصفه دولة وطنية لكل طوائفها ومذاهبها من دون إقصاء، الساكن الجديد لقصر بعبدا يعرف أوجاع لبنان الحقيقية؛ كونه جزءاً أصيلاً من النسيج الوطني اللبناني، وبوصفه قائداً للجيش في أصعب اللحظات التي مرت على المنطقة، وفي القلب منها لبنان.

أوجاع لبنان ليست جديدة، لكنها تنتظر الدواء المناسب، أول الأوجاع يأتي من خارج لبنان، حيث تكمن إسرائيل على الحدود الجنوبية، وتعتدي على سيادته الوطنية، وتتذرع بغياب الجيش اللبناني عن الجنوب.

لكن الحقيقة أن إسرائيل لديها أطماع ومطامح في لبنان تريد أن تجعل منه دولة فاشلة، وتعبث بروحه الوطنية، لكن العماد جوزيف عون، الرئيس الحالي، قال في أول تصريحاته إن إسرائيل لا تزال هي العدو، وبذلك طمأن كل القوى اللبنانية بأن بلاده لا تزال في قلب القضايا العربية، وأنه يدعم قضية الشعب الفلسطيني، بوصفها قضية عادلة وتستحق تقرير المصير، كأي شعب آخر، وأنه من دون حل هذه القضية سوف يستمر لبنان في المعاناة؛ كونه الجار اللصيق بفلسطين، ولذلك يطالب الرئيس عون بتنفيذ القرار 1701، تنفيذاً حرفياً.

أما الوجع الثاني، فيحتاج إلى ضرورة التوافق الوطني بين جميع الطوائف اللبنانية، والاتفاق على استراتيجية لبنانية خالصة، تقوم على بنود اتفاق الطائف عام 1990، بما يسمح للبنان أن يتمتع باستقلال حقيقي، بعيداً عن التدخلات الإقليمية والدولية.

وكان اختيار القاضي الجليل نواف سلام رئيساً للحكومة بمثابة رسالة اطمئنان جديدة إلى اللبنانيين، فقد حظي سلام بارتياح من كل الطوائف، لا سيما الشباب المتطلع إلى المستقبل؛ كونه من عائلة سياسية عريقة.

أصعب الأوجاع هو الوجع الثالث الذي ينتظر الرئيس عون، ويمثل التحدي الأكبر، وهو الوجع الاقتصادي. لبنان يحتاج إلى التعافي من آثار الحروب المستمرة والمزمنة، ويريد تصفية حساباته مع الماضي، بآليات تمكنه من عبور الحاضر إلى المستقبل. لم يعد اللبناني لديه رفاهية الصبر الاقتصادي الذي فرضته عليه كل الأحداث الداخلية والخارجية، فالآن لديه رئيس يرى الصورة الكاملة بكل أبعادها، ويحظى بثقة عربية وعالمية لا بد أن تترجم إلى واقع في كل المسارات وفي مقدمتها المسار الاقتصادي.

إن لبنان الآن يشق الأمواج، ليصل إلى شاطئ المستقبل، عائداً إلى الأمام، حيث الدولة الوطنية لكل مواطنيها، ولبنان الحيوي المتشابك مع محيطه العربي وامتداده العالمي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد