عبدالعزيز التميمي
اجتمع الشاعر والملحن والمطرب في أغنية «عودت عيني» التي غنتها أم كلثوم، عام 1957، حول عامل مشترك واحد أساسه الصدق في المشاعر. أولاً، المفردات وترابط معانيها المكملة للصورة الشعرية ويزداد جمالاً إذا تمكن الموسيقار من وضع اللحن بحسب مقامه الموسيقي حزناً وفرحاً وحماساً وغضباً، كما قدم الرائع في زمانه ومكانه رياض السنباطي، رحمه الله، صاحب أفضل ريشة عزفت على آلة العود على مر العصور، مع احترامي الشديد للقامات الجميلة التي سبقت أو جاءت بعده، لأن هذا رأيي الشخصي وليس تقييماً علمياً أكاديمياً، هذا إلى جانب القصة والحكاية التي تقوم مقام العنصر المهم في نجاح وانتشار العمل الفني مهما كان نوعه.
وأغنية «عودت عيني» للشاعر أحمد رامي، قصة شدت الناس إليها قبل سماعها، ملخصها أن الشاعر أحمد رامي، قدّمها لموسيقار الأجيال (عبقري) الموسيقى العربية، المطور والمجدد لها الفنان محمد عبدالوهاب 1910 -1991 وكان ذلك في عام 1954 وتأخر عبدالوهاب في تلحينها مدة ثلاث سنوات، فعلمت أم كلثوم من أحمد رامي أن هذه الأغنية عند عبدالوهاب، ولم يلحنها أو يتمم لحنها.
فتواصلت أم كلثوم مع رياض السنباطي، الذي لحنها فهاجت الدنيا وغضب عبدالوهاب، معتبراً أن ما حدث سرقة أغنية بحسب ما كتبت مجلة (روز اليوسف) المعنية في ذاك الزمان بالفنون وشجون الوسط الفني، وفي مقدمة النقاد المدافعين كان أستاذنا الكاتب الإعلامي الراحل محمد التابعي 1896 - 1976 الملقب (بأمير الصحافة العربية)، ومؤسس مجلة «آخر ساعة»، ومعه معظم الإعلاميين المصريين متبنين النهج ذاته والنقد والحملة الإعلامية المدافعة عن موقف عبدالوهاب، مطالبين بحقه الأدبي.
فاتصلت أم كلثوم بالأستاذ التابعي توضح له الموضوع بسؤال واحد، هل تعرف كم من سنوات مرت وعبدالوهاب لم يتمم لحن الأغنية منذ أن أخذها؟ وما ان تأكد التابعي من صحة كلام (الست) وان عبدالوهاب تأخر ثلاث سنوات في إنجاز اللحن حتى أوقف الحملة معتذراً للست، وكانت أغنية «عودت عيني على رؤياك» رائعة السنباطي الملحنة على مقام الحجاز بحس إبداعي يطوف على الحجاز كرد وكنوع من الإبداع السنباطي المتميز في بنائها الموسيقي وجُمله اللحنية التي تتجمّل بحس موسيقي محفّز للمشاعر المتلقية للنغمة المنسجمة، مع مختلف المقامات في الأغنية، ولا يشعر المستمع بهذا النَّفسْ الموسيقي إلا إذا استمع للأغنية بصوت الملحن رياض السنباطي، وهو يغنيها منفرداً بآلة العود، فقد تسمع من السنباطي بعد ما يقارب السبعين عاماً على الجو والحالة الموسيقية المتميزة فناً وإبداعاً مختلفاً عن ذاك الأداء المتقن لأم كلثوم عام 1957، وهي في عز نشاطها وذروة إمكاناتها الصوتية والمساحة التي تملكها، لكن السنباطي عالم جميل آخر بالحس الخاص والعالم بخصوصية الشاعر الغرامية المسيطرة على كاتب تلك الكلمات ومفرداتها المؤكدة أن المؤلف يعيش الحب والهيام.
والشاعر أحمد رامي 1892 - 1981 معروف بتعلقه العاطفي الشديد بالسيدة أم كلثوم وقد قيل إنه كان يستحضر طيفها وهو يكتب قصائده، فالشاعر الصادق في إحساسه هو أكذب الناس في مفرداته وكأنه يجعل من الصور الشعرية في قصيدته كاذبة لدرجة التميز بالافتراء ليشد المتلقي وهو ينقل إليه حالة يعيشها، وكذلك ينطبق على الملحن والمطرب والمستمع إذا عاشوا المعاناة والشجن الذي يريد الشاعر أن يوصله في طرحه الصادق المبالغ فيه مع تقدير امتياز مع مرتبة الشرف.
فصدق من قال أعذب الشعر أكذبه وأجمل اللحن أصعبه وأحلى الأصوات أعمقها بعداً وقراراً يتجول بين الجواب العالي والقرار العميق الصعب الرخيم، وهذا بحث آخر يحتاج صفحات لشرحه.