دار لغط ونقاش طويل، لسنوات، حول الفيلم وخلفياته، وعارض الفاتيكان عرضه، لتضمنه مشاهد لا تتفق ووقار الكاثوليكية، بخلاف مناظر الفسق والانغماس في الملذات، لكن ساهمت الاعتراضات في زيادة شهرة الفيلم، الذي جاء في مرحلة مفصلية من تاريخ إيطاليا، وروما وساحة «فيا فينيتو»، ومصوري الأخبار، الذين يلاحقون المشاهير لالتقاط صورهم، وبيعها لصحف الفضائح، ومن كل تلك الخلفية المثيرة جاءت فكرة إنتاج الفيلم، الذي حاول فيه مخرجه «فيلليني» تسليط الضوء على المجتمع الإيطالي في الستينيات، وملاحقة المشاهير والأثرياء، وخاصة وهم في أوضاع حميمية، والتي تدفع صحف التابلويد «للباباراتزي» الكثير مقابل الحصول عليها.
الفيلم يتضمن جنونا وعربدة وصخبا، ومحاولات، بعضها مستميتة، للتمتع الأقصى بالحياة، من دون النظر للعواقب، فالحياة، بنظرهم قصيرة، فلمَ السعي لإطالتها إن كانت مملة، وقاتلة في بطئها؟
شكل فيلم «الحياة الحلوة» بداية اتجاه أوروبا نحو الاستمتاع بالحياة، وترك النتائج، والقلق، جانبا. وكان لجاذبية بطلة الفيلم «إيكبرج» الأثر الكبير في شهرته، فقد جسدت الخير والبراءة، والاستمتاع، من أعماق القلب بجمال الحياة، ولذاتها، من خلال البهجة اللامحدودة.
* * *
يصعب وضع تعريف دقيق لما تعنيه «ملذات الحياة»، فالأمر يختلف من شخص لآخر، ومن مرحلة عمرية لأخرى، حتى لدى نفس الشخص. فهناك من يجد اللذة في الفنون، بأنواعها، أو في القراءة، أو في مجالسة الأصدقاء واحتساء المشاريب، أو في مشاهدة الأفلام أو المنافسات والسباقات ومباريات كرة القدم، والتحمس لها، أو الشعور بالنشوة من تناول الوجبات الطويلة، مع رفقة رائعة. أو قد يجدون المتعة في الاسترخاء وقضاء الوقت في القيام بأنشطة تجلب السعادة، مثل التنزه في الطبيعة، أو قضاء الوقت على الشاطئ، أو الاستمتاع بالقهوة في مقهى ساحر. أو قضاء الوقت الممتع مع الأسرة واللعب مع الأبناء أو الأحفاد. وقد يراها البعض في التركيز على الاستمتاع بالحاضر، واليقظة، وتقدير الأفراح الصغيرة مثل غروب الشمس الجميل، أو الموسيقى، أو الضحك. وقد يجدها البعض في شراء الأنيق من الملابس أو سماع إطراء من شخصية مهمة. إن مفهوم «الحياة الحلوة» يدعو الناس إلى التباطؤ وإيجاد الفرح في البساطة وتقدير ثراء تجارب الحياة.
جربت شخصيا كل ملذات الحياة، تقريبا، حسب تعريفي، وهي جملة قابلة للنقاش. وعندما أفكر الآن في ما مضى، وأستعرض في ثوان شريط حياتي، تنتابني عشرات المشاعر من عتب وغضب وانبهار وحب وكراهية وزعل وخصام ولقاء وعتاب وحب، بخلاف كم هائل من الأمور الجميلة وغيرها المخجلة، وكلها جزء من حياتي، واكتشفت، بعد تجارب طويلة، شديدة التضارب والتناقض، بأن أجمل ملذات الحياة تكمن غالبا في لحظات، أو ثوان أحيانا، منها لحظة وضع الرأس على المخدة، من دون الشعور بأية آلام جسدية او نفسية، والاستغراق فورا في نوم عميق، بضمير مطمئن!
أحمد الصراف