لم تنضج بعد الصفقة لإنهاء حرب لبنان بين "حزب الله" وإسرائيل. فهي تحتاج إلى مزيد من الرهانات على تطورات الميدان من الجهتين. فإسرائيل تعتبر أنها لا تزال تمتلك زمام المبادرة، والحزب المذكور يرى أنه قادر على تسجيل "انتصارات" تكتيكية في الميدان. طبعاً، لن يحرز الحزب انتصاراً استراتيجياً ولن تتمكن إيران من إسعافه في محاولة لتسجيل انتصار استراتيجي. كل ما يأمله "حزب الله"، وبالطبع إيران المعنية مباشرة بمصيره كونه أداتها الأهم في المشرق العربي، هو صمود - وإن كان مكلفاً - على الأرض، مع إطلاقات مزعجة عسكرياً لإسرائيل ومؤذية لها معنوياً وربما سياسياً. لكن أكثر من ذلك هو مجرد خيال وأوهام، لا سيما أن العودة إلى الميدان غداة مغادرة آموس هوكستين المنطقة ستكون فورية وعنيفة جداً، لأنَّ تل أبيب تحتاج إلى إنجازات عسكرية ملموسة على الأرض، وفي كل مكان يحتمي فيه قادة الحزب وعناصره ونشطاؤه والمتعاملون معه. هذا يعني أن استهداف بيروت الإدارية سيتكرر خلال الأسابيع المقبلة. وكلما أطلق الحزب صواريخ على تل أبيب، سيصب ذلك في صالح سردية حكومة بنيامين نتانياهو التي تبالغ في الحديث عن قوة "حزب الله" المهددة لوجود إسرائيل.
ماذا يعني هذا؟ إن الضربات التي تجيزها إيران لحزبها في لبنان، وبدلاً من أن تردع الإسرائيلي عن ضربه في بيروت - حيث يحتمي بين المدنيين من بيئته الحاضنة ومدنيين من بيئات أخرى لا تناصره ولا تريده كمشروع وكميليشيا مسلحة - تزيد من تأييد الرأي العام الإسرائيلي المنزلق أكثر نحو اليمين المتطرف لخوض حرب حاسمة ضد "حزب الله". في الأشهر القليلة الماضية، قلنا هنا إن عدو الحزب المذكور هو قوته. واليوم نقول إن عدوه هو مظهر قوته وإن لم يكن يعكس الحقيقة.
نتذكر كيف أن صورة "حزب الله" بنيت على إظهار قوته وقدراته وإمكاناته وتضخيمها بهدف إبهار الجمهور اللبناني والعربي عموماً، وربما ردع إسرائيل وإشعارها أن كلفة الاصطدام به عالية للغاية وقد تكلفها اهتزازاً كيانياً خطيراً. من هنا، فإن قصف تل أبيب بصواريخ باليستية قد يكون ذا مفعول عكسي. إنما هناك من يعتبر أن طهران لا تمتلك ترف ترك إسرائيل تصطاد قادة وعناصر "حزب الله" في كل الأراضي اللبنانية، من دون أن تحاول إقامة معادلة "تل أبيب مقابل بيروت". أكثر من ذلك، ما يهم إيران الآن هو إنقاذ "حزب الله" مهما كلف الأمر عسكرياً، مالياً، سياسياً، لأنَّ الصفقة المطروحة من قبل الأميركيين الآن تستبطن نزعاً ضمنياً لسلاح الحزب بعدما يفقد مبرر وجوده لحظة يخرج من معظم الجنوب اللبناني، ويبتعد عن الحدود، أقله لمسافة 30 كيلومتراً. وهذه المسافة سوف تقلص هوامش تحركه ضمن شريط ضيق لا يزيد عمقه على 15 كيلومتراً. ثم يصطدم حكماً بالبيئات اللبنانية الأخرى في جبل لبنان والبقاع الغربي، مما سيعيد طرح مسألة السلاح الفاقد لمبررات وجوده ولكل السرديات التي حيكت حوله. بهذا المعنى، تنتظر "حزب الله" مواجهة سياسية داخلية كبيرة حول سلاحه، بدءاً من إنهاء ذكر معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" في متن البيان الوزاري للحكومة المقبلة.
لذلك كله، نقول إنَّ الظروف لم تنضج بعد لعقد صفقة تنهي حرب لبنان، لا سيما أنَّ سقفي الطرفين لا يزالان مرتفعين. وكلاهما يراهن على مزيد من الوقت في الميدان. كل ذلك والمفاوضات مستمرة.