حمد الحمد
أنا لديّ شغف كبير بقراءة كتب الرحّالة الأجانب وكتب السيرة الذاتية، ومن القراءة تكتشف كم نحن محظوظون بأننا نعيش في هذا العصر حيث بلمسة زر في هاتفك تصلك كل المعلومات حيث تجمع المبالغ وتقيس المسافات وتعرف الأسعار في لحظة، في هذا المقال أكتب في الزمن الماضي وكيفية التعامل مع الواقع عند عالم المال والأعمال ومما قرأت التالي:
في عام 1814م، أي قبل 200 سنة زار جون لويس بيركهارت، مكة والمدينة وادّعى أنه مُسلم وسجّل في كتابه «رحلات إلى قلب الجزيرة العربية»، كلّ شيء شاهده ورسم الحياة اليومية هناك بدقة مُتناهية... يذكر أن القوافل التي تصل إلى أي بلد، أصحابها يتوقفون على حدودها بانتظار أن تخرج قافلة من ذلك البلد ويتم عقد اجتماع بين القافلتين وأسئلة للقافلة الخارجة عن الأمن في البلد وأسعار كل السلع وكل الأوضاع والأسواق، وهنا يدخلون وهم على بيّنة، بينما الآن نعرف كل تلك المعلومات عبر هاتفك.
ويذكر بيركهارت من جانب آخر كيف يكون السوم والتفاوض على سلعة ما عند أهل مكة، وكان بأسلوب غريب فحين يتفاوض تاجران بحضور آخرين، يعمدان إلى جمع يديهما تحت عباءة أو كم أحد الطرفين، وبلمس الأصابع المُختلفة يحددان الأرقام، وهكذا تتم الصفقة بصمت بينهما من دون أن يعلم الحضور.
وفي الكويت في فترة الأربعينات من القرن الماضي، حيث يذكر جون دانيلز، الإنكليزي، الذي عاش في الكويت في تلك الفترة في كتابة «رحلة الكويت»، يذكر استغرابه مما يراه وكما يقول إنه كان محظوظاً لرؤية تشابك أيدي النوخذة وتاجر اللؤلؤ على ظهر السفينة والأيدي مُغطاة بقطعة قماش ولا يتحدثان معاً، وتتم المساومة عن طريق حركات الأصابع، فحركة الإصبع تمثل سعراً معيناً، فإذا مسك التاجر بأحد أصابعه، يعلم الطرف الثاني بسعر الصفقة.
ويلفت انتباهي في الأفلام المصرية وأنا أرى عند عقد القِران تتم تغطية يد والد العروس والعريس بمنديل وبعدها تُقرأ الفاتحة، هنا هل التغطية لها علاقة بما تحدثنا عنه حيث تحت القماش يتم الاتفاق على مبلغ المهر من دون أن يعلم الحضور، هذا احتمال واستنتاج مني فقط.
وفي كتابي «الكويت في زمن الأربعينات والخمسينات» الصادر عام 2022 م، ذكر لي الأستاذ محمد طه الفيلكاوي، وهو من أهل «فيلكا» وأن أهلها من صيادي السمك بالسابق وهم أميون لا يعرفون الحساب ولا الكتابة، لهذا ففي المركب عندما تجتمع حصيلة الصيد من سمك الزبيدي يقومون بعد عشر «زبيديات» ويتركون واحدة على جانب وتسمى «ترك»، وبالأخير اذا كان هناك «عشر زبيديات ترك» يكون عدد ما تم جمعه هو 100 زبيدية.
وقديما لا يعرف مُسمى رجل أعمال المتداول اليوم، إنما هناك ما يُعرف بمُسمى «مُتسبب» ومعناها رجل أعمال أو أعمال حرة، وتعني «يتسبب الرزق»، ولم تكن هناك بنوك وإن وجد بنك أجنبي واحد فيُحرم التعامل معه كونه ربوياً، لهذا الكثيرون عندما يقرّرون السفر لفترة يخافون على أموالهم، لهذا يودعونها عند أي تاجر يعرفونه وهو يسجله في دفاتره كأمانة وعند عودة المُسافر يرجع لأخذ المال.
في مقالي هذا أبحرت بكم إلى الماضي عبر صفحات الكتب وقد نعود مرةً أخرى.