في 24 يونيو 2021، انهار من دون سابق إنذار مبنى «تشامبلن تاورز ساوث»، وهو مبنى سكني مكون من 12 طابقاً في سورفسايد بميامي بيتش، بولاية فلوريدا، ما أدى إلى مقتل 98 من السكان. وهُدمت بقايا المبنى، وسرعان ما اتضح سبب الكارثة. فعلى مدى عدة سنوات، كان مديرو المبنى يرجئون إنفاق المال على صيانة البنية التحتية الرئيسية لأن السكان، الذين يعيش الكثير منهم على دخل ثابت، كانوا يرفضون الموافقة على التقييمات المالية لدفع كلفة النفقات الجديدة. وكان المهندسون الذين يفحصون المبنى بشكل روتيني يعلمون بوجود مشاكل هيكلية تم الإبلاغ عنها في عام 2018 ولكنها تجوهلت.
كان سبب الانهيار هو تآكل الخرسانة المسلحة وتدهورها بسبب تسرب المياه وتآكل الهياكل الفولاذية. وتسبب الحادث في صدمة بين السكان الذين يعيشون في مبان مماثلة في فلوريدا. كما سنّت الولاية قوانين جديدة تنص على ضرورة أن تكون الاحتياطيات المالية لكل مبنى كافية لدفع تكاليف الصيانة اللازمة. وفي الأثناء، أخذت العديد من الولايات الأخرى تفرض قواعد أكثر صرامة لإدارة المباني.
وأظهر الحادث أن ولاية فلوريدا قلّلت من شأن التأثير طويل المدى لتغير المناخ على تكاليف صيانة العقارات باهظة الثمن في المناطق التي ستتعرض على نحو لا مفر منه لضغوط أكبر جراء ارتفاع منسوب مياه البحر، وأضرار الرياح، وارتفاع أسعار التأمين على الممتلكات. ولا شك أن ما حدث في فلوريدا سيتكرر في ولايات وبلدان أخرى استثمرت في تطوير العقارات في مناطق ليست معرضة لخطر ارتفاع مستويات سطح البحر فحسب ولكن أيضاً لحرائق الغابات والفيضانات والأعاصير.
ذلك أنه لسنوات عديدة تجوهلت تحذيرات العلماء والاقتصاديين ووكالات التأمين بشأن المخاطر المتزايدة للأحداث المناخية الكارثية، ليس لأن الزعماء السياسيين ومجتمع الأعمال يجهلونها، وإنما لأنهم لم يكونوا مستعدين لمواجهة التكاليف الأولية المرتفعة التي ينطوي عليها اتخاذ خطوات من أجل التخفيف من المخاطر المستقبلية.
والواقع أن الدروس المستخلصة من مبنى «تشامبلين» تتجاوز تأثير تغير المناخ، ويمكن أن تطبق على الزعماء السياسيين في العديد من البلدان، زعماء يرفضون تحمّل المسؤوليات التي يواجهونها حين يتجاهلون المعاملة السيئة التي يعامل بها الأفراد الأقل حظاً في مجتمعاتهم. وعلى سبيل المثال، فإن اندلاع أعمال الشغب العرقية في أميركا خلال عقد الستينيات كان متوقعاً بالنظر إلى تفشي الفقر في مجتمعات السود الذين عانوا من أجيال من التمييز. ومع ذلك، فإن الإدارات الأميركية المتعاقبة لم تقتنع بأن الوضع الراهن لم يعد خياراً قابلاً للاستمرار إلا بعد أن أصبحت الاضطرابات المجتمعية عنيفة ومكلفة.
وبالمثل، أرجأت الحكوماتُ المتعاقبة في إسرائيل على مدى سنوات الاستثمار الجاد في رفاهية سكان غزة، وافترضت أن الاضطرابات الدورية الناجمة عن الظروف المعيشية المروعة يمكن احتواؤها بتدخلات محدودة لإخماد أي انتفاضات. وكان من المفترض أن تكون استراتيجية «جز العشب» هذه فعّالة وناجحة، إذ افترضت إسرائيل أن سيطرة «حماس» على غزة أمر يصب في مصلحتها وأن ضخ الأموال من قطر إلى قيادة «حماس» سيؤجل أي مواجهة خطرة، قبل أن يأتي الهجوم في 7 أكتوبر 2023، وبدايات الحرب الرهيبة المستمرة منذ قرابة العام.
والواقع أنه حتى لو تم التفاوض حول وقف دائم لإطلاق النار، فإنه لا بد من أن تكون هناك تغييرات جذرية في حكم غزة، ولا بد من إيجاد طريقة ما لتمويل التكاليف الاستثنائية لإعادة بناء مجتمع دمر تدميراً. والأرجح أن إعادة بناء غزة ستستغرق عقوداً من الزمن حتى إذا تم إيجاد التمويل اللازم. ونظرياً، يمكن لقطاع غزة أن يصبح لديه اقتصاد مزدهر نظراً لموقعه الجغرافي على البحر الأبيض المتوسط ومواهب سكانها في ريادة الأعمال.
ولكن وكما هو الحال دائما، فإن السياية ستتفوق على الاقتصاد، وما لم يتم إيجاد طريقة ما لتوفير حل سياسي للمشكلة الفلسطينية برمتها، فإن العقارات اللامعة على الشاطئ وأميال الرمال الذهبية لن تكون كافية للتغلب في غزة على عقود من الامتعاض والإهمال.