رندة تقي الدين
يجري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استشارات صباح الجمعة مع رؤساء الأحزاب الفرنسية والمجموعات البرلمانية من أجل بلورة قراره المنتظر تعيين رئيس جديد للحكومة مقبول من عدد من المجموعات المؤثرة في البرلمان، في ضوء نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة التي شرذمت المسرح السياسي ولم تنتج أغلبية مطلقة تحوز 289 نائباً من أصل 577 لأي من الأحزاب والتحالفات، لا لـ"الجبهة الشعبية الجديدة" اليسارية (الاشتراكي وفرنسا الأبية والبيئة) ولا للجمهوريين و"التجمع الوطني" حزب مارين لوبن، ولا لـ"تحالف معاً" تحت مظلة ماكرون.
يسعى ماكرون من خلال هذه الاستشارات إلى التقدم نحو تشكيل أوسع أغلبية ممكنة من أجل التوصل إلى تعيين رئيس حكومة بإمكانه إدارة شوؤن البلاد من دون تعطيل مستمر. فتحالف "الجبهة الشعبية الجديدة" لديه أكبر عدد من النواب في البرلمان، لكن ينقص هذا التحالف التجانس، إذ إن الاشتراكيين يعارضون "فرنسا الأبية" في مواضيع كثيرة. وتريد الجبهة أن تفرض على ماكرون مرشحتها لوسي كاستي، لكن ماكرون يرفض تعيينها، وهي مسوؤلة في بلدية باريس ومرشحة فعلية لرئيس "فرنسا الأبية" جان لوك ميلانشون. وتردد أوساط فرنسية أن الحقيقة هي أن ميلانشون يطمح إلى الترشح لانتخابات الرئاسية بعد 2027 ولا يريد أن يكون مشاركاً في إدارة أمور البلد الآن مباشرة، ولو ادعى أنه يريد رئاسة الحكومة، كما أنه لا يريد إشراك حزبه مباشرة في الحكم، ولذلك بقي على خلاف مع شركائه في الجبهة حول أسماء عدة لرئاسة الحكومة حتى وافق على اسم لوسي كاستي وهو مقتنع بأنها لن تعين. وأكثر من ذلك بادر ميلانشون إلى طرح موضوع إقالة الرئيس ماكرون بالتهديد باللجوء إلى البند 68 من الدستور من دون استشارة حلفائه، ما أغضبهم، وذلك لعرقلة تعيين كاستي. وهكذا يتمكن من اللجوء إلى حجة أن ماكرون رفض قرار الفرنسيين الذين صوتوا بالعدد الأكبر للتحالف اليساري، ما يعطيه حجة للبقاء في المعارضة حتى 2027.
الجديد في هذا السياق تداول اسمين جديين لرئاسة الحكومة هما برنار كازنوف الاشتراكي الذي شغل منصب رئيس حكومة ووزير داخلية في عهد الرئيس السابق فرانسوا هولاند، وهو شخصية تحظى باحترام كبير لدى الأوساط الاشتراكية ولدى بعض الجمهوريين. فهو من اليسار وضد "فرنسا الأبية"، انفصل عن التحالف وصورته هي أنه شخصية محترمة من الوسط والاشتراكيين واليمين الجمهوري. أما الاسم الآخر فهو الوزير السابق اليميني الجمهوري كزافييه برتران الذي كان وزيراً ناجحاً في عهد الرئيس السابق نيقولا ساركوزي وقال إنه مستعد لقبول رئاسة الحكومة، لكن رئيس الجمهوريين لوران فوكييه على خصومة عميقة معه وقد يصعب عليه تعبئة بعض اليساريين لدعم عمله الحكومي لو عُيّن.
أما الاسم الثالث المفاجئ الذي بدأت الصحافة تتكلم عنه لرئاسة الحكومة فهو كريم بوعمران رئيس بلدية السين سان دوني Seine Saint Denis، وهو اشتراكي من أصل مغربي يصف نفسه بأنه علماني، وبرز اسمه بعد عمله في هذه الضاحية التي نجحت في استضافة المشاركين في الألعاب الأولمبية. وقد اشتهر بوعمران (51 سنة) بعد مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، كما وصفته صحيفة "دي فلت" الألمانية بـ"أوباما السين". كما نشرت "الفيغارو ماغازين" و"لو موند" مقالات حول "رئيس بلدية اشتراكي ناجح معارض لفرنسا الأبية". غير أن بوعمران ليس اسماً معروفاً كثيراً، وكما يقول أحد الدبلوماسيين الفرنسيين إنها "لحظة المجهولين، فغالباً ما يرغب ماكرون بمفاجأة الجميع بأسماء غير متوقعة"، كما حصل عندما عين رئيس الحكومة السابق جان كاستكس.
لكن هناك أيضاً أسماء تُذكر في بعض الأوساط مثل الوزير الاشتراكي السابق أرنو مونتبور وهو وجه معروف في العالم العربي، إذ تولى وزارة التجارة الخارجية في عهد الرئيس هولاند، والوزير اليميني السابق ميشال بارنييه المفوض الأوروبي السابق وغيرهما من أسماء محتملة، لكن ماكرون يأخذ وقته للتشاور فيما عليه أن يعين رئيس حكومة قبل البحث والتصويت على الموازنة في 1 تشرين الأول (أكتوبر).
كازنوف يبدو الاسم الذي يمكن أن يجمع أوسع أغلبية كونه يحظى بقبول من أوساط حزبية مختلفة، ولكن لا أحد يعرف ماذا في ذهن الرئيس.