أسعد عبود
لم يكن منتظراً من إسرائيل أن تعير الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في 19 تموز (يوليو) الجاري أي اهتمام، بل أن تواصل نشاطاتها الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية على غرار ما تفعل منذ عام 1967.
ومع أن هذا الرأي الصادر عن أعلى محكمة دولية بناءً على طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة تقدمت به منذ عامين، غير ملزم للدول، لكن أهميته تنبع من كونه وثيقة أممية تثبت حق الفلسطينيين بأرضهم، وتدحض المزاعم التاريخية والقانونية والسياسية التي تتذرع بها إسرائيل لإدامة احتلالها الضفة الغربية ومرة أخرى قطاع غزة.
والاستنتاج الذي استقر عليه رأي المحكمة من أن "الوجود العسكري الإسرائيلي الطويل في الأراضي الفلسطينية، لم يعد يمكن اعتباره احتلالاً عسكرياً موقتاً، بل يرقى إلى عملية ضم تقوض حق الفلسطينيين المقيمين هناك بتقرير المصير"، قد يترك تأثيرات على المدى الطويل، إذ سيكون في إمكان الناشطين وجماعات حقوق الإنسان استخدام رأي المحكمة، لتقديم التماسات أمام المحاكم المحلية كي توقف الحكومات بيع السلاح إلى إسرائيل، لأنه سيستخدم من أجل إدامة الاحتلال غير القانوني.
وفي الأشهر الأخيرة، فرضت حكومات غربية عدة عقوبات على مستوطنين ومنظمات استيطانية، بسبب العنف الذي يمارس ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. وزاد هذا العنف مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة. وأقدم مستوطنون تحت أنظار الجيش الإسرائيلي على إطلاق النار على فلسطينيين وتخريب ممتلكاتهم من دون أن يردعهم الجنود، وكذلك أحرقوا قوافل المساعدات التي أرسلها الأردن بالشاحنات عبر الضفة إلى غزة.
وقبل صدور رأي محكمة العدل، سمحت الحكومة الإسرائيلية التي تعتبر الأكثر تطرفاً، قومياً ودينياً، في تاريخ إسرائيل، بإقامة 5300 منزل للمستوطنين في الضفة، ووافقت رسمياً على بناء خمس مستوطنات جديدة، بما سيتبعها من شق طرق وبنى تحتية.
وفي وقت سابق من تموز الجاري، صادقت إسرائيل على مصادرة 12,7 كيلومتراً مربعاً من أراضي الضفة الغربية، وقالت منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية غير الحكومية، إنها المصادرة الأكبر منذ 3 عقود، أي منذ التوقيع على اتفاقات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. وتقع المساحات الأخيرة المصادرة قرب مستوطنة يافيت في غور الأردن، ومن خلال إعلانها أراضي دولة، فإن الحكومة الإسرائيلية عرضت تأجيرها للإسرائيليين، وحظرت ملكية الفلسطينيين لها.
ما ترمي إليه سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الضفة الآن، هو الحؤول عملياً دون احتمال قيام دولة فلسطينية مستقلة. وهناك في الوقت الحاضر نحو 700 ألف مستوطن في الضفة الغربية.
ومن خلال تسليم القرار المالي في الضفة إلى الوزير المتشدد بتسلئيل سموتريتش والقرار الأمني إلى الوزير إيتمار بن غفير، يكون المستوطنون قد بسطوا سلطتهم على الضفة، التي يقول نتنياهو رداً على رأي محكمة العدل إن "الشعب اليهودي لا يمكن أن يكون محتلاً لأرضه"، ما يعني ضمناً أن قرار الضم ليس إلا مسألة وقت.
وعلى رغم أن إسرائيل ضربت عرض الحائط برأي المحكمة، وهذا ما كان متوقعاً، لكن صدوره يعمق ولا شك من عزلة الدولة العبرية دولياً، التي تبلورت مع الحرب الدامية على غزة. كما أنه مؤشر إلى أن إسرائيل بدأت تدفع كلفة أكبر للاحتلال، حتى ولو بقيت الولايات المتحدة التي تعارض الاستيطان لفظياً، توفر لحليفها الحماية العسكرية والدبلوماسية. وهي الحماية التي تشجع إسرائيل على التمادي في حرب غزة، وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية، بما يجعل أي حديث أميركي عن حل الدولتين كلاماً أجوف خالياً من أي مضمون، ومن قبيل ذر الرماد في العيون، ليس إلا.