علي محمد الحازمي
لا خلاف على أن الأنظمة الاقتصادية والمالية الحديثة متكاملة للغاية وتعتمد على البنية التحتية التكنولوجية المعقدة والمترابطة. هذا التعقيد المتزايد للتكنولوجيات التي تدعم الاقتصاد العالمي يجعل فهمها وتأمينها -بشكل كامل- أكثر صعوبة، ولكن لا يمكن التشكيك أيضاً أن هذا الترابط والتعقيد التكنولوجي أحدث تأثيرات عميقة إيجابية في مختلف مجالات الحياة وخاصة الجانب الاقتصادي، كصعود التجارة الإلكترونية، وانسيابية سلاسل التوريد العالمية التي أصبحت أكثر تكاملاً، وتحسن العمليات التجارية التي انعكس على إثرها زيادة الإنتاجية وتوفير التكاليف، وظهور نماذج أعمال مبتكرة وصناعات جديدة.
كما أننا قبلنا الجانب الإيجابي لذلك التقدم والترابط التكنولوجي المعقد، لا بد من التسليم بالجوانب السلبية له. آثار التعطل العالمي لأنظمة تكنولوجيا المعلومات يوم الجمعة الماضي القلق بشأن التداعيات الاقتصادية العالمية وبدأ الجميع يحسب مقدار الخسائر المادية لكل ساعة تعطل نتيجة لتحديث برمجيات متهور من شركة الأمن الإلكتروني «كرواد سترايك»، والذي تسبّب ارتباطها الوثيق بعملاق التكنولوجيا العالمي «مايكروسوفت» بأزمة عالمية تقنية استمرت لبعض ساعات أوقفت عقارب الساعة العالمية وسارعت الشركات العالمية بإصدار بيانات توضح مدى تأثرها بذلك الخلل التقني الذي أرجع العالم إلى القرن السابع عشر في واحدة من أكبر الانهيارات في مجال تكنولوجيا المعلومات في التاريخ.
الخسائر التقديرية لهذه الحادثة وصلت إلى 5.7 مليارات دولار. هذا الحادث كان قرصة أذن ودرساً يعلّق الجرس ويخبر العالم الذي لم يشفَ بعد من الأزمة الصحية الأخيرة، أن الأزمات الاقتصادية على استعداد لتلبس الثوب التكنولوجي الأزرق وتدخل متنكرة من خلاله على هيئة شاشة الموت. إن ضخامة خطأ واحد يسلط الضوء على مدى خطورة الاعتماد على شركة واحدة لمثل هذا الحجم الهائل من البنية الأساسية. الحقيقة التي خرجنا بها من هذه الأزمة العابرة أن عُطلاً واحداً كفيل أن يشل الحركة الدولية ويسقط العالم في براثن فاتورة اقتصادية باهظة الثمن.