عبدالله خلف
في الوقت الذي أخذت الدولة الأموية في الأندلس تتجزأ إلى دويلات بتأثير الفتن والمِحن، ويظهر كل أمير للاستقلال بجزء من أشلاء الدولة، استخلص محمد بن إسماعيل، أحد أمراء بني عباد، السيادة لنفسه على إشبيلية سنة 413 هـ الموافق 1022 للميلاد.
وظهرت الدولة العبادية في الأندلس، وكانت من أعرق الأسر العربية وأقواها... وبعد موت محمد بن إسماعيل، سنة 433 هـ 1041 م، خلفه ابنه أبو عمرو بن عباد، ولقب بالمعتضد وكان من أقوى الأمراء وقد أعيت سياسته أنداده من ملوك الطوائف في الأندلس... ثم خلف المعتضد على عرش أشبيلية ابنه أبو القاسم محمد، سنة 461 هـ ولقب بالمعتمد على الله، وكان فتى في الثلاثين من عمره حين ورث المُلك عن أبيه وكان مشهوراً بالفكر والأدب لأنه من المبدعين في نظم الشعر وتذوق الأدب.
****
قصة حياة المعتمد هي قصة ذلك الأمير الشاعر الذي خاض الحروب، وحقّق النصر، وكانت أيامه موزعة بين التربص للخصوم والحروب من جهة وبين مجالس الشعر والأدب حين تصفو الأيام،
وعاش في ترف وغنى، ولكن النهاية لم تكن سوى مأساة يدمى لها القلب.
****
كان المعتمد، كأبيه من أمراء الفروسية ذي بأس وشدة وشجاعة، قد شابه أباه في ذلك، وتشابها في نظم الشعر وحبهما للأدب، ولا يستوزر المعتمد وزيراً إلا شاعراً ولا يقرّب منه كاتباً إلا أديباً.
واستقطب الأدباء والشعراء وأغدق عليهم العطاء وكانت مجالسه مجالس أُنس وغناء.
وكانت تشغله حروب وخُطوب، وكانت معاناته تكمن من غربي الأندلس، حيث بنو ذي النون أمراء طليطلة، وهم من ألد أعدائه، فسعى إلى إسقاطهم، ونشبت بين إشبيلية وطليطلة حروب دامية امتدت إلى أزمنة طويلة، وكانت وبالاً على دولة الأندلس بكاملها، وشر البلاء أن كل دولة أخذت تستعين بالأجنبي ليعاونها على القضاء على الدولة العربية الأخرى، ما مهّد إلى سقوط الدولة العربية في الأندلس... لولا أن هبّ إليها من أفريقيا يوسف بن تاشفين، فقهر الإفرنج في موقعة الزلاقة الشهيرة.