محمد الرميحي
في عام 2003 صدر بالعربية كتاب بعنوان (العرب وجهة نظر يابانية) كما اختار مترجمه إلى العربية أن يسميه، وقد ألفه متخصص في الأدب العربي اسمه نوباكي نوتاهاري، وكان عنوانه الأصلي الذي صدر به هو (رحلة البحث عن الأشياء المفقودة). في هذا الكتاب حملة على السلوك العربي في عدد من المظاهر، وهي سلوكيات في معظمها تقع في مساحة (السلوك الشائن) من وجهة نظره، وقد استقبل الكتاب كثيرون من المتابعين العرب بالكثير من الإشادة، حيث بين المؤلف كيف يتصرف العرب في أمورهم، ومن أمثال ما جاء في الكتاب، كيف يتصرف العرب في المظاهرات والاحتجاجات العامة وكتب مستغرباً أنهم في حالات الاحتجاج والتظاهر، يحطمون الممتلكات العامة في الشوارع!
ذلك بعض ما جاء في ذلك الكتاب، الذي طبع بالعربية عدداً من الطبعات، دليل إقدام القارئ العربي على اقتنائه، وهو نوع من أنواع (جلد الذات)!
حقيقة الأمر أن العنف في أوقات الغضب والتظاهر عابر للثقافات، وهذه بريطانيا اليوم، والتي تعتبر أنها أقدم الديمقراطيات، ويسود فيها القانون على الجميع، نسمع ونرى كيف تقوم المظاهرات وكيف يتصرف المتظاهرون في الشوارع، ليس فقط بإتلاف الممتلكات العامة، بل بالتعدي على رجال الشرطة، ونهب المحلات التجارية الصغيرة في الشوارع العامة، ومتابعة الملونين من أجل قتلهم!
ونعرف أيضاً من أحداث سابقة أن مدينة نيويورك، في وسط سبعينات القرن الماضي عندما تعطلت الكهرباء، تحولت المدينة إلى شبه غابة إنسانية، ليس بالنهب والإتلاف، بل وأيضاً حتى في قتل المارة من دون معرفة ولا سبب!
يحدث ذلك في مدن كثيرة، فتصرف الإنسان حين يغيب القانون، أو في أوقات الغضب، يخرجه عن سويته، قلت الإنسان، ويشترك في ذلك كل صنوف البشر على هذا الكوكب.
استقبال ذلك الكتاب والتوصية بقراءته لدى شرائح واسعة من العرب، تقول لنا إننا نحب بل نعشق جلدنا لذاتنا، حيث افترض كثيرون، أن العرب هم وحدهم من يعبث بالممتلكات العامة في حالة التظاهر والاحتجاج، أو أنهم وحدهم يحرصون على أن تكون بيتوهم نظيفة وشوارعهم متسخة، كما قال الكاتب، أو أنهم غير (مؤتمنين) كما ذكر في مكان آخر، من الكتاب، وأكثر قضايا خيانة الأمانة تجدها في المحاكم شرقية وغربية.
ما تقدم هو درس أن علينا ألا ننساق وراء أفكار وآراء تحط من المجموع في الثقافة العربية، من أية جهة قدمت، سواء من مؤلف ياباني أو حتى غربي أو عربي.
منذ سنوات قليلة صدر كتاب بعنوان (رسائل خليجية) لمؤلفين عربيين، هما سامي كليب وفيصل جلول، معروفة مواقفهما المعادية لدول ومجتمعات الخليج، لم يجدا من النقد إلا أن الخليجيين عندما يلتقون (يقبلون أنوف بعضهم بعضاً).
تلك أمثلة أن لا نقع في (مصيدة) التشويه المقصودة، أو حتى غير المقصودة، وفي الوقوع فيها ضعف مناعة فكرية ومعرفية، وضعف ثقة بالذات، يتوجب أن ننتبه إليها.
هناك سلوكيات مشتركة للإنسان، أين ما كان، وفي أية بيئة، وهناك عادات وتقاليد واجبة الاحترام، وخلط الموقف السياسي بالتوجه الثقافي هو خلط مسموم يراد به التشويه لا غير.
من هنا، فإنه ليس كل ما يكتب يصدق، فنحن كعرب، والأكثر كدول الخليج، مقصودون بالتشويه من خارج جلدتنا ومن داخلها، والشجاعة الأدبية أن نقف أمام ذلك التشويه والتعميم غير المنطقي فلسنا ملائكة، ولكن بالتأكيد لسنا شياطين!!