: آخر تحديث

حرب لا يرغب فيها أحد

19
14
16

بعد نحو عشرة شهور من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تتجمع في الأفق نذر حرب جديدة، لا يرغب في اندلاعها أحد؛ لا لبنان ولا المجتمع الدولي ولا حتى الإسرائيليون أنفسهم، باستثناء نتنياهو وحلفائه في الائتلاف اليميني المتطرف، من دون الأخذ في الاعتبار إمكانية اتساع هذه الحرب إلى حرب إقليمية شاملة ومدمرة.

لم تكن حادثة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، والتي لا يزال الغموض يحيط بأسبابها وأهدافها، سوى ذريعة يرجح المحللون أن تكون مفتعلة لإشعال هذه الحرب المجنونة؛ إذ إن التهديدات للبنان سبقت ذلك منذ وقت طويل، وتصاعدت هذه التهديدات منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، يرافقها تحضيرات ومناورات واستعدادات عسكرية ولوجستية، كان يتم لجمها غالباً من الجانب الأمريكي، طالما أن ما كان يحدث ينضبط لقواعد الاشتباك بين الجانبين. لكن هذا الانضباط القائم على معادلة تناسبية في الاستهداف والاستهداف المضاد، لم يكن مرضياً للجانب الإسرائيلي لأسباب كثيرة؛ لعل أهمها ظهور تآكل قوة الردع الإسرائيلية، ناهيك عن عامل الاستنزاف للجيش والاقتصاد، وقبل ذلك وبعده، الضغط الداخلي الناجم عن عشرات آلاف النازحين من مستوطنات الشمال وعدم القدرة على إعادتهم إليها، رغم الوعود المتكررة.

وبالتالي تعالت نبرة التهديدات، خصوصاً من جانب اليمين المتطرف، لاجتياح جنوب لبنان، وإبعاد مقاتلي «حزب الله» إلى شمال نهر الليطاني، حتى لو أدى ذلك إلى تدمير لبنان بأكمله. وبطبيعة الحال، تدرك إسرائيل أن تحقيق ذلك لن يكون سهلاً وأنها ستدفع ثمناً باهظاً، في المقابل، قد لا تقوى على احتماله، خصوصاً أن تداعياته ستظهر في حرب إقليمية واسعة لا يمكنها الانتصار فيها، ناهيك عن خلق حالة من الاضطراب الأمني وعدم الاستقرار في المنطقة.

الوحيد الذي يدرك كل هذه التداعيات هو نتنياهو، لكنه يتجاهلها لحسابات سياسية وشخصية تتعلق بإدامة بقائه على رأس السلطة لأطول فترة ممكنة، هرباً من المصير الذي ينتظره، سواء على خلفية قضايا الفساد، أو مسؤوليته عن الإخفاق الإسرائيلي على كل المستويات في هجوم 7 أكتوبر. وبالتالي فهو لا يرفض فقط إنهاء الحرب على غزة، وإنما يدفع نحو المزيد من الحروب، عبر إقناع الإسرائيليين بأنهم يتعرضون لتهديد وجودي، وبتناغم تام مع حلفائه في اليمين المتطرف، الذي يسعى، بدوره، لأسباب عقائدية وأيديولوجية، للهيمنة على المنطقة برمتها.

بهذا المعنى، يعمل نتنياهو كل ما بوسعه لإفشال «هدنة غزة» وصفقة تبادل الأسرى، لارتباط ذلك بالجبهات الأخرى. والسؤال الآن هل ستعزز المخاوف من اندلاع حرب شاملة في المنطقة جهود «الوسطاء» والمجتمع الدولي في الضغط على إسرائيل لقبول صفقة التبادل وإنهاء الحرب على غزة، لمنع اشتعال جبهة لبنان ووقف تمددها إلى الجبهات الأخرى؟ سؤال قد يكون في غاية الأهمية قبل أن تحرق نيران الحروب كل المنطقة، ولن تنجو إسرائيل منها بالتأكيد.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد