أما الاتصال الجغرافي فلا يعني شيئا أيضا، فدول أمريكا الجنوبية متصلة مع بعضها، وشعوبها متشابهة في ملامحها، ولغتها وتراثها ودينها ومذهبها وملابسها، إضافة للكثير من أطعمتها وأغانيها وتقاليدها، كما أن تاريخها متشابه ومشترك جدا، والمشتركات بينها، أو ما يربطها ببعضها البعض أكثر بكثير مما هو بين العرب جميعا، مع هذا لم يكن لديها يوما هذا الوازع الشوفيني القومي في أن تتحد، فلماذا نحن فقط يجب ان نتحد، مع كل هذا الاختلاف الذي نغرق فيه؟
أما عامل الدين فهو عامل مشترك لمجموعات عدة في العالم، فيكفي وجود أكثر من مليار و400 مليون كاثوليكي، وغيرهم من المسيحيين، ومع هذا لم يكن الدين بينهم عاملا «موحدا»، يجمعهم. هذا بخلاف أن داخل الدين الإسلامي هناك مذاهب وفرق شتى، وتعيش في غالبية الدول العربية أقليات غير مسلمة كبيرة، ومن عاشوا فيها منذ الأزل. فلو اتحدت سوريا مع العراق، على أساس ديني، فسيتحول ملايين غير المسلمين فيهما، من مسيحيين ويهود ودروز وبهائيين وعلويين، لمواطنين من درجة أدنى.
أما اللغة المشتركة فهي خرافة أخرى. فدول عدة، أفريقية وغيرها، تتحدث الفرنسية، ويربطها تجمع ثقافي يسمى «الفرانكفونية»، لكن لا شيء آخر، علما بأن فرنسا، التي سبق أن استعمرتها وأذلتها، هي التي تقود التجمع. اما في ما يختص بعامل اللغة، فلا أعتقد أن هناك دولة على استعداد لأن تحارب بجانب دولة أخرى، فقط لأن لغة الدولتين واحدة!
يعتقد الزميل صلاح كذلك أن «الوحده العربية»، أو شقيقتها القومية العربية، هي أساسا أفكار بريطانية فرنسية كانت تهدف لخلق كيان عسكري مضاد للأتراك العثمانيين، عن طريق ثورة عربية كبرى، وهذا ما تحقق، جزئيا.
كما كان للمسيحيين العرب دور كبير في بعث فكرة القومية العربية، وتقويتها، لتخوفهم من الطغيان العددي الإسلامي في مجتمعاتهم، واحتمال تهميشهم، ولم يكن غريبا بالتالي أن غالبية قادة القومية العربية، ومفكريها، كانوا مسيحيين، وكانت فكرتهم تتركز على اتحاد يشمل مصر، العراق وبلاد الشام، أما دول الأطراف، كالجزيرة والسودان وشمال أفريقيا، فلم تكن في حساباتهم كثيرا، فهم اما أفارقة أو أقرب لفرنسا، أو أهل خيام وجمال.
من الواضح أننا، كدول عربية، نختلف عن بعضنا في ثقافاتنا، وأحلامنا، وملامحنا وألوان بشرتنا، وعاداتنا وتقاليدنا وأزيائنا، وطعامنا، وحتى طرق نطق حروف لغتنا، فماذا تبقى لكي نلتف حوله؟
وبما أننا مجموعة من الدول المتخلفة، التي تقارب الصفر في الكثير من مظاهرها، فجمع هذه الأصفار تحت مظلة واحدة سيبقيها أصفاراً، هذا إن استمر اتحادها، وبالتالي من الأفضل أن تهتم كل دولة بحالها، علميا وثقافيا والأهم من ذلك ماديا، قبل أن نفكر لدقائق في حلم قد لا يتحقق أبدا، فلن تقبل يوما دولة صغيرة غنية، أن تنصهر في اتحاد، مثلا، مع دولة «شقيقة» تكبرها، مساحة وشعبا، بعشرات المرات، وذات اقتصاد متخلف ومتهالك، فالأردن، مثلا، الذي هلل يوما، لغزو صدام للكويت، لا يقبل حتما الاتحاد مع السودان، لكنه غالبا لن يمانع في الاتحاد مع دولة صغيرة مثلها، وثرية جدا، فالمصلحة هنا هي المقياس وليس المشاعر القومية، المخادعة!
أحمد الصراف