: آخر تحديث

إشارات في شأن اللغة

18
19
18

هل يُعقل أن تكون اللغة العربية تواجه موقفاً حرجاً؟ عجباً للذين يتهافتون على مثل هذه الأقاويل. بينما، كل ما هنالك هو أن «الضاد» تحتاج إلى معجزة ذكية لإنقاذها من المخمصة، وإصلاح حالها. قيل سمعوها تردّد وتندّد: «أضاعوني، ولم يدروا بأنّي.. لسانُ هويّةٍ وبيانُ أمّةْ».

للحقيقة، لا دخل للعقل العربي في ما حدث للغتنا من مشكلات معضلات مزمنات، لأن العرب أقصوا العقلانية والبحث العلمي، ونظروا إلى العربية بعواطفهم الجيّاشة، نظرات أسطوريةً، عشقاً وهياماً، ما أضفى عليها قدرات خارقةً، خرجت بها من عالم الكائنات الحيّة التي تنمو في حياتها، تصحّ وتعتلّ، تتوازن وتختلّ، تَثرى وتفتقر، تتوسع وتتقلص، فزجّوا بها في متاهات ميثولوجية. بهذه البساطة، لم تعد العربية في نظرهم في حاجة إلى أيّ رعاية أو عناية، بما أنها لم تعد كاللغات تخضع لظروف العصر والزمان، وتتأثر سلباً وإيجاباً.

في الواقع، نحن نظلم القوم العاطفيين، عندما ننسى أن نار المشاعر المتوهجة، إذا أذكتها الصبابة وانعدام الفكر، يغيب عنها أن العربية في عصور ازدهارها كانت تستمدّ قوتها وانتشارها، من قوّة الأمّة والحضارة الإسلامية. كانت هجرة عقول العالم إليها، لا منها إلى كل الأصقاع بحثاً عن القوت، فراراً من البطالة والعطالة، إذا لم يكن هروباً من مرادفات الجحيم. أيامَ كانت استغاثة امرأة بالخليفة تهزم إمبراطورية، لا أيامَ موت نصف مليون طفل يقال عنهم: «شغلة حرزانة». أمّا عشرة آلاف طفل في غزة، فهؤلاء «نثريات». أيّامَ كان ثلاثة أرباع علماء اللغة والبلاغة والتفسير، من غير العرب، لا أيّامَ البحث بالمجهر والمقراب عن ألسنة لا تلكن ولا تلحن.

كأننا نأى بنا الاستطراد، مهمّ جدّاً نشر الوعي اللغوي بأننا بشرٌ معدننا ترابي، ولغتنا إحدى لغات الآدميين، ولا وجود للغة يتكلمها البشر وهي غير بشرية. كل ألسنة جنسنا تدرّجت من المصوّتات إلى الصوامت. أمّا إذا اعتقدنا أن منشأها غيبيّ ما ورائي غير بشريّ فلن يتسنى لنا فهم آليات أدوائها وأسباب اعتلالها. بالعقل ندرك أن المشكلة كامنة في العرب لا في العربية. معضلاتها إداريةٌ، مثل عدم تبسيط القواعد والتقصير في تطوير التعليم، وتنمويةٌ، مثل عدم الاستثمار في العلوم وتأسيس مراكز البحث العلمي التي تؤدي لاحقاً إلى إنتاج العلوم، والإحجام عن تعريب العلوم والريادة العلمية والثقافية.

لزوم ما يلزم: النتيجة الاعترافية: نحن العرب، الذين أوقعنا العربية في مأزق، فهي براء من كل مكروه أصابها.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.