خلال زيارتي لنيويورك في مهمة وطنية، في أواخر مارس(آذار) المنصرم، وبرفقتي فريق عمل من مكتب الشؤون الدولية بوزارة الداخلية، ألفيتُ حركة دائبة من أعضاء الفريق في أروقة الأمم المتحدة، في غير متطلبات المهمة الوطنية التي نحن بصددها، فلما سألتهم أجابوا بأنهم يضعون اللمسات الأخيرة لرعاية دولة الإمارات لقمة الأمم المتحدة لرؤساء الشرطة (UNCOPS 2024) والذي يعد التجمع الأكبر عالمياً للوزراء ورؤساء الشرطة وممثلي منظمات الشرطة الإقليمية.
وقد التأمت القمة بالفعل في مقر الأمم المتحدة بنيويورك في 26 يونيو(جزيران) 2024، على مدى يومين، بمشاركة وزارة الداخلية الإماراتية ووزراء الداخلية ورؤساء أجهزة الشرطة في العالم وكبار ممثلي منظمات الشرطة الإقليمية. وتداول المشاركون قضايا تعزيز الأمن والسلام، ومعالجة الجرائم عابرة الحدود، وبحث تعزيز قدرات الشرطة على مكافحة الجريمة، ودور الشراكات في مستقبل العمل الشرطي بالأمم المتحدة وتعزيز قدراتها. كما استعرضت القمة تجارب الدول المشارِكة في إطار تبادل الخبرات للتصدي للجريمة المنظمة ومواجهة التحديات الأمنية.
والواقع أنّ رعاية وزارة الداخلية لهذه الفعالية الأمنية الدولية تؤكد حرص الإمارات والتزامها الاستثنائي بمواصلة دورها المحوري والفعّال في تعزيز جهود السلام والاستقرار الدوليين، ودعمها للمبادرات العالمية التي تسهم في صنع مستقبلٍ أكثر أمناً وأماناً للمجتمعات الإنسانية كافة.
وهناك عدة مبادرات عالمية أخرى، دشنها مكتب الشؤون الدولية بوزارة الداخلية، تصب في هذا الإطار، وتُسهم في توسيع مفهوم الأمن «التقليدي» ليكون أمناً مجتمعياً بحق. فعلى هامش «كوب 28» في دبي، انعقد المنتدى الوزاري؛ الذي بحث دور أجهزة إنفاذ القانون في حماية التنوع البيولوجي وضمان التعافي المناخي، برئاسة الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية. وقد ألقى سموه كلمة رئيسية في المنتدى، تناولت القضايا المتعلقة بالبيئة، والتحديات الإجرامية الناشئة عنها.
وعلى هامش «كوب 28» أيضاً، أعلن سموه عن تدشين «التحالف العالمي للحد من انبعاثات الحرائق»، الذي يضم ثماني منظمات دفاع مدني تخصصية عالمية، بهدف خفض الانبعاثات الكربونية الناجمة عن الحرائق بنسبة (80%) عالمياً بحلول عام 2050.
وجاءت مشاركة الشيخ سيف بن زايد في«كوب 28» في إطار دأبه على الانخراط في الفعّاليات الدولية متعددة الأطراف، وعلى رأسها القمة العالمية للحكومات. ولا يمكن تخيل التئام قمة الحكومات منذ تأسيسها عام 2013 من دون مشاركة سموه؛ الذّي أصبح معلماً من معالم القمة، وغدت أطروحاته ركائز أو وصايا لما تكون عليه حكومة المستقبل، ولاسيما أطروحاته عن القيادة الاستثنائية والمواطنة الإيجابية وعقيدة التكامل الإماراتية والاستدامة الشاملة ووطن«اللامستحيل»، ومسيرة الأجداد ومسؤولية الأجيال.
ومن المبادرات الأخرى المهمة لوزارة الداخلية، التي دشنتها بالشراكة مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، المبادرة المناخية الدولية لإنفاذ القانون«I2LEC»، الخاصة بالتغيرات المناخية لمؤسسات إنفاذ القانون. كما أطلقت الوزارة «نداء أبوظبي للعمل»؛ بهدف تعزيز وتوسيع دور أجهزة إنفاذ القانون في مكافحة الجرائم البيئية والمتعلقة بالمناخ، وقد حظي بمشاركةٍ دولية واسعة النطاق من جانب المنظمات الشرطية الإقليمية، وهيئات إنفاذ القانون حول العالم. علاوة على ذلك، أعلنت وزارة الداخلية عن مبادرة«الذكاء الاصطناعي من أجل أطفال أكثر أماناً»، والتي تهدف إلى بناء قدرات أجهزة إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم للاستفادة من الإمكانات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا ذات الصلة لمكافحة الاستغلال والاعتداء الجنسي على الأطفال.
وتنخرط الوزارة في شراكات متعددة الأطراف، وعلى رأسها التحالف الأمني الدولي ومنتدى المجتمعات الأمنية. ويضم التحالف الأمني الدولي 11 دولة تعمل معاً لمكافحة الجريمة عابرة الحدود الوطنية. أمّا منتدى المجتمعات الأمنية، فيعد منصةً تعاونية تُمكن المهنيين عبر التخصصات، بما في ذلك إنفاذ القانون والتعليم والرعاية الصحية والتكنولوجيا، من الاجتماع معاً للتواصل والتعلم وتبادل الأفكار على المستوى العالمي.
والحق أنّ هذه المبادرات النوعية لوزارة الداخلية والشراكات الدولية التي تنخرط فيها ترفد القوة الناعمة لدولة الإمارات بقوة زخمٍ ودعم كبيرٍ، وتُسهم في ترجمة أهداف استراتيجية القوة الناعمة للدولة. وتهدف الاستراتيجية التي تم إصدارها عام 2017 إلى تطوير شبكات دولية فعّالة مع الأفراد والمؤسسات حول العالم بما يخدم أهداف الدولة ومصالحها؛ وترسيخ سمعة الدولة بصفتها دولة حديثة ومنفتحة ومتسامحة ومحبة لشعوب العالم كافة.
كما أنّ مبادرات وشراكات وزارة الداخلية تتوافق مع مبادئ الخمسين (سبتمبر 2021)، التي تمثل مرجعاً لكل مؤسسات الدولة، وتتوافق أيضاً مع المبادئ الثمانية للسياسة الخارجية (نوفمبر 2022)، ولاسيما المبدأ المتعلق بزيادة الانخراط في المنظمات الدولية.
والخلاصة أنّ وزارة الداخلية بقيادة سيف بن زايد تعكف بدأب على تنفيذ توجيهات القيادة الرشيدة بأن تقوم كل الوزارات والمؤسسات في دولة الإمارات بالإسهام في تطوير القوة الناعمة للدولة كلٌ في مجاله. ولكنه أمرٌ مثير للاهتمام والعجب جميعاً أن يكون للوزارة المسؤولة عن الأمن وإنفاذ القانون، عن طريق الاستخدام الشرعي للقوة الصلبة، نصيبٌ وافر في مراكمة القوة الناعمة لدولتها.