: آخر تحديث

غياب النقد الفني

10
9
10

النصوص المسرحية جوهر الفن المسرحي، وتلعب دوراً حاسماً في تحديد جودة التجربة المسرحية بشكل عام، رغم الاختلاف بين النصوص المسرحية الأدبية، والأخرى المكتوبة للعروض المباشرة.

فالنصوص الأدبية التي تكتب بهدف تقديم عمل فني مكتمل بحد ذاته يتناول مواضيع عميقة، مثل الحب، والكراهية، والهوية، والصراع، تستهدف جمهوراً يبحث عن تجربة فنية متكاملة، ومعقدة، وتركز على جودة اللغة والأفكار، أكثر من التركيز على مدى ملاءمتها للعروض المباشرة، بتضمينها لغة شعرية، أو حواراً معقداً مؤثراً عاطفياً، ويثير التفكير والنقاش، حول تجربة مسرحية يستمر تأثيرها، حتى بعد انتهاء العرض.

والأخرى التي تُكتب خصيصاً للعروض بشكل أساسي هدفها الترفيه عن الجمهور، وجذب انتباهه بشكل فوري، وغالباً ما تركز على العناصر البصرية والحركية، أكثر من عقدة النّص، أو عمقه الأدبي، بهدف تحقيق تأثير سريع وفوري في الجمهور، وقد تعتمد على التفاعل معه من خلال الأحداث المثيرة والسريعة، أو الإبهار البصري، وجوانب كوميدية لجذب الانتباه.

ومع الأخذ في الاعتبار أن كلتا الفئتين مهمة، حيث تكمل كل منهما الأخرى، وتسهم في إثراء التجربة المسرحية، وتخدم أغراضاً مختلفة، وتستهدف جمهوراً مختلفا ً، يجب ألا تطغى إحداهما على الأخرى، وأن تعطى النصوص الأدبية فرصاً أكبر على خشبات المسارح لتحفيز كتّابها، وتشجيعهم.

وفي رأيي، لا توجد أزمة في كتابة، أو إنتاج النصوص المسرحية في الإمارات، بل ربما تكون الأزمة الأهم، والممتدة في العالم العربي، تتمثل في غياب النقد المتخصص في النصوص المسرحية، والدراسات التي تسلط الضوء عليها، فإن قمنا بحسابات سريعة سنجد أن جوائز الشارقة للتأليف المسرحي وحدها كفيلة بملء أرفف المكتبات بالنصوص الفائزة من بين العشرات التي قد لا تحتاج إلا لتوجيهات تسهم في اكتمالها أدبياً، مثل جائزة للتأليف المسرحي المدرسي الموجهة لفئتي المعلمين والمعلمات، والطلاب والطالبات، وجائزتين للنصوص المسرحية الموجهة للكبار، وأخرى للأطفال، عدا عن سبعة مهرجانات مسرحية، محلية وخليجية وعربية، وجائزة مسرح الشباب في هيئة دبي للثقافة والفنون، ومنح مالية تقدمها وزارة الثقافة لدعم المسرح، وغيرها من المسابقات المتخصصة في المسرح، وهي بمجملها أكثر من كافية لتشجيع وتحفيز الحراك المسرحي في الدولة، وإثراء المسارح بالنصوص المتنوعة.

والأزمة الأخرى التي شهدها المسرح في العقود الأخيرة، تتمثل في قلة الاستعانة بالنصوص المسرحية الأدبية في المهرجانات المسرحية، مقابل زيادة أعداد النصوص التي تكتب للعروض المباشرة لاستقطاب جمهور أكبر، ما يتسبب بعدم إعطاء النصوص الأدبية حقها، عدا عن توجه الأجيال الشابة إلى وسائل الإعلام الحديثة، واستسهال التعامل مع منصات البث الرقمي المعتمدة على اللقطات المصورة، ما صعّب على المسرح، بكل ما يحمله من تفاصيل وجهد وعمل، العثور على جمهور كبير، ومنافس من كتّاب، أو متفرجين.

إن كتابة النصوص المسرحية تحتاج إلى موهبة خاصة، وتدريب مستمر، وهو ما دعمته وزارة التربية الإماراتية من خلال تطوير منهاج متخصص في تعليم الطلاب مهارات المسرح، وممارسة التمثيل، وكتابة النص، والإخراج المسرحي والتذوق الفني، بحيث يتكامل هذا المنهاج مع مختلف الفنون والعلوم والمعارف، ليس بهدف جعل الطلبة محترفين في مجال المسرح، ولكن من أجل إكساب الطالب مهارات التواصل، وتوظيف طاقاته لاكتشاف ذاته.

نستطيع القول إن أزمة المسرح، إن وجدت، فهي تكمن في التحدي الكبير الذي فرضته الفنون الدرامية الأخرى على العالم، من خلال تبسيط اللغة والأفكار، وهناك أهمية لتوجيه الكتّاب المسرحيين لإبقاء شعلة النص الأدبي متقدة بتشجيع النقد، ودعم تطوير نصوص عميقة بلغة أدبية شاعرية تحفظ تاريخ المسرح، وعرشه الذي لم يهتز على مر العصور.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد