: آخر تحديث

حروف من نار

6
6
7

في داخل كل إنسان، إنسان آخر جزء منه ما زال متشكلاً بهيئة طفل في السابعة من عمره يعيش بين عصرين مختلفين تماماً، ما بين طفل يبكي من أجل دمية فيمسح الغيث تلك الدموع التي سقطت بغزارة في لحظة ما، وما بين قبلة صغيرة على جبينه جعلته يغفو بسلام بعيداَ عن ضوضاء العالم، إلا أن هذا العالم اختار أن يوقظه من ذلك السبات حتى يصطدم بصراع الكلمات والحروف فتصبح جملة واحدة فقط هي الفاصل الزمني العالق في أرشيف المستودعات التي كلما حاول المرء أن يبحر بمركب النسيان لعله يتسع تلك الكلمات التي أصبح كل حرف منها كرمح تم رميه على الوتر الحساس، فأصبح الجزء الآخر من هذا الإنسان لا يستطيع أن يكمل معزوفة الحياة مع بقية أعضاء الجوقة لأنه مازال يسقط من ذلك السلم الموسيقي.

للكلام قدرة هائلة في التأثير على الأشخاص وبناء شخصياتهم، للمفردات أثر لا ندركه وحتى وإن التأم الجرح سيبقى الأثر ندبة عالقة على مر العصور، من الصعب جداً أن تسكن تلك المفردات في ذلك العقل، بين شهيق وزفير هناك معالم في تلك الحكاية لم تكتمل أجزاؤها إلى الآن، وكأن تلك الصورة تبقى ناقصة دائماَ تشعر بأن لو تزهر في مكان ما، إلا أن هناك ما يجعلها ذابلة بعينيك، هل يا ترى هي كذلك بالطبيعة أم أن عينيك تشكوان من أمر ما يستدعي الذهاب إلى طبيب العيون حتى يكشف لنا ما يدور حول تلك القصة التي يترأسها مستشارون ورؤساء داخل ذلك العقل تحدث اجتماعات عاجلة وقرارات مصيرية لا يعلم بها أحد سوى ذاتك التي امتلأت ذاكرتها بعبارات قيلت له في الماضي وبدأت تستقر في المستقبل البعيد.

الأمر يشبه أن تكون عالقاَ ما بين الشعور ونقيضه، كأنك عالق بين اليابسة والماء معاَ، في منتصف تلك الزاوية الحادة لا يمكنك الرجوع للوراء ولا التقدم بضع خطوات إلى الأمام، حيث إن تلك الكلمات تسبب لك طنيناً من الممكن أن تسقطك في «مثلث الشيطان» فتصبح تائهاً أمام هذا التدفق، غارقاً لوحدك غزتك تلك الحروف حتى أحدثت ثقباً ما زال أثره باقياً إلى تلك اللحظة، حتى يردد ربان السفينة قائلاً: قولوا للرياح تأتي كيفما تشاء، فقد كسرت أشرعة تلك السفينة منذ زمن طويل، جملة واحدة فقط قيلت في وقت الغضب أو المزاح جعلت ذلك المرء تائهاً ما بين الماضي والمستقبل، كم هي كثيرة تلك الكلمات وكأنها سرب من الغربان تحوم حول ذلك المكان، حتى يتساءل ذلك المرء: إلى متى ذلك المد والجزر؟ وكأن كل شيء توقف منذ لحظة سماعنا لتلك الكلمات القاتلة! حال لسان ذلك المرء في ذلك المشهد قائلاً: لا يسعني شيء كل ما زارني الهدوء شعرت أن الكلمات تكتظ بالازدحام فأنا القبطان الذي ما زال عالقاً بين أمواج تلك المفردات القاسية فلا الزمان زماني ولا المكان مكاني!.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.