: آخر تحديث

زمن الرواية أم رواية زمنها؟

14
15
17

عقود مرّت والحديث يدور عن أننا في زمن الرواية. ويقال هذا، في أحيانٍ كثيرة، بطريقةٍ توحي بأنّه لم يعد هناك من جنس أدبي آخر سواها، وأن ما بقي من تجارب في أجناس الأدب الأخرى، هو مجرد بقايا أو آثار لزمنٍ مضى، وأنها ستندثر قريباً. ويكاد يوحي القول بزمن الرواية كأن لكل جنس أدبي زمناً، يختفي عندما ينتهي هذا الزمن، وقد يصحّ العكس أيضاً، أي أن أجناساً أدبية معينة تتراجع حتى تختفي أو توشك على الاختفاء إيذاناً بانتهاء زمنها، لتفرغ المجال لزمن جنس آخر، على نحو ما يقال حالياً عن زمن الرواية، التي يراد لنا، من قبل البعض على الأقل، تصديق أنه زمنها وحدها.

ليست المرة الأولى التي نتناول فيها هذا الأمر، ولكن لا ضير في أن نعيد السؤال: ماذا عن إبداع شعراء مهمين، مخضرمين وشبّان، يكتبون شعراً جميلاً، لا يقل إبداعاً أو جمالاً عن الروايات الناجحة التي تلفت نظر القراء، حتى لو لم يجد الشعر والشعراء ما هم أهل له من احتفاء، في أمّة قيل عن الشعر إنه ديوانها؟

ليس الشعر الجيد وحده من يجاور الرواية الجيدة في عالم اليوم، وإنما أجناس أدبية أخرى، بينها القصة القصيرة والنصوص المسرحية وأنواع من الكتابة الحرّة التي يصعب وضعها في خانة بعينها؛ لأنها منفتحة على فضاءات رحبة، قد لا تنطبق عليها القواعد المرعيّة في «التجنيس» الأدبي، ويصعب وضعها في خانة بعينها، لكنها، مع ذلك، كتابة إبداعية بامتياز. هل يصحّ أن نسقط من الحساب نماذج القصة القصيرة المميزة، مثلاً، لأن هذا ليس زمنها، وإنما «زمن الرواية»؟

أخذ أرنستو ساباتو في كتابه (الكاتب وكوابيسه) الصادر في سبعينيات القرن الماضي، وترجمه إلى العربية عدنان المبارك في طبعة صدرت عن دار (أزمنة) بالأردن، على القائلين يومها بأن الرواية في أزمة، ولاحظوا أنّ الحديث يدور عن أزمة الرواية لا عن نهضتها، رافضاً الزعم بوجود تلك الأزمة، لكنه ينبهنا إلى أن القول بزمن الرواية ليس جديداً، وليس ابن اليوم؛ حيث جرى وصف القرن التاسع عشر، وفق قول ساباتو، بأنه «قرن الرواية»، ليأتي بعد ذلك من يقول، في القرن التالي، أي العشرين، بأن الرواية انتهت مع فلوبير وهنري جيمس.

الأصح، برأي ساباتو، التفريق بين السقوط والتحوّل، فما من أمر ثابت حتى في الأدب، ويقدّم لنا الكاتب دليلاً مختلفاً للقياس، فلا نقول «زمن الرواية» مثلاً، وإنما الأصحّ القول «رواية زمنها»، تفريقاً لها عن روايات زمن مضى، وزمن قادم لم نبلغه بعد، ولنقل أنّ ما يصحّ على الرواية يصحّ على سواها من أجناس الأدب.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد