التراث المادي والمعنوي يحتاج إلى جهود جبارة لحفظه وتوثيقه وتدوينه ودراسته، والمعنوي منه أشد حاجة إلى ذلك، فهو محفوظ في صدور الأجداد والجدات والآباء والأمهات والرواة منهم بالذات، والزمن مع مروره يحمل خطورة غياب أولئك الأشخاص عن الحياة وفقدان الكثير مما حوته تلك الصدور من قصائد وحوادث ومسميات وأخبار وحكايات وألعاب ومعتقدات وأدوية شعبية وفنون موسيقية وأدائية وملابس وأطعمة، وبكل ما يرتبط ويتعلق منها بالبيئة المحيطة سواءً كانت بحرية أو برية أو جبلية أو واحات وطبيعة الحياة المعيشة فيها بكل معطياتها ومفرداتها اليومية.
إن الجهود التي يقوم بها ثلة من الباحثين في البحث والتقصي والتدوين والتأليف هي جهود مقدرة، لكنها فردية وتعتمد على الجهد الفردي الذي يحتاج إلى وقت طويل ومضنٍ، وقد لا يغطي إلا بيئة معينة من البيئات المختلفة الموجودة في الدولة. وبالرغم من وجود بعض الجهات ذات الجهد المشكور والواضح والملموس في هذا المجال مثل معهد الشارقة للتراث، إلا أن ذلك لا يكفي بأي حال من الأحوال، ويدعونا إلى المطالبة بوجود جهة رسمية باسم الدولة تعمل على تدوين التراث بكل أشكاله ودراسته وعرضه وإنتاجه ونشره بكل الأشكال الممكنة، والعمل بشكل عملي علمي أكاديمي متخصص في تقديم باحثين متخصصين في كل حقل من الحقول التراثية.
نحتاج وبشكل عاجل يسابق الزمن حتى لا نفقد أكثر مما فقدناه، خصوصاً وأننا تجاوزنا 50 عاماً من عمر الدولة ولا نملك حتى كتاباً واحداً يسرد تاريخ الدولة منذ إنشائها حتى الآن، فما بالنا بالذي ما زال في الصدور والذي يمكن أن يغيب في أي لحظة من اللحظات.
القيمة التي يحملها التراث الشفاهي المعنوي قيمة ذات مغزى مهم وكبير في تأصيل وتعريف المجتمعات ومدى ثرائها المعرفي وقيمتها المعرفية والإنسانية، ويدل على تكوينها وترابطها وخبراتها المتراكمة وتجاذباتها مع المجتمعات الأخرى، ويعطي مدلولات كثيرة لا يمكن الحصول عليها واستنتاجها الا من خلالها.
كل التقدير لكل الجهود التي قام ويقوم بها حراس التراث، وجهودهم البحثية المتواصلة رغم قلة الزاد، ومحدودية الدعم.
الحاجة ليست فقط ملحة بل واجبة لجهة رسمية ليس فقط للحفاظ على تراثنا بل إلى تأصيله وتخريج الكوادر البشرية المتخصصة في كل حقوله والقدرة على حفظه.