: آخر تحديث

جدلية الـ «ويكند» الجديد

8
10
9

قبل أيام بدأ مجدداً تداول مقترح تغيير الإجازة الأسبوعية إلى يومي السبت والأحد، وتحديداً بين السعوديين على منصات السوشال ميديا والمواقع الإعلامية، وتضمن الاقتراح بأن يكون هناك نصف دوام في يوم الجمعة، وبحيث يشمل ذلك موظفي الدولة والقطاع الخاص والطلبة والمعلمين، ونشرت صحيفة (الرياض) استطلاعا في فبراير من العام الجاري، تناولت فيه تفضيلات الناس لإجازة نهاية الأسبوع، وقد انحاز ما نسبته 48% من المستطلعين إلى اليومين السابقين، وجاء يومي الجمعة والسبت كخيار ثاني وبحوالي 29%، وأول إجازة في المملكة، تم إقرارها في سبعينات القرن العشرين، وكانت في يومي الخميس والجمعة، واستمرت لقرابة 45 عاماً، قبل أن يتم استبدالها في 2013 بالجمعة والسبت، واليوم وبعد أكثر من عشرة أعوام، ربما انتقلت إلى السبت والأحد، لتكون المملكة متصلة بالعالم طوال أيام العمل الخمسة.

بخلاف أن وزارة الموارد البشرية السعودية، تقوم في هذه الأيام بمراجعة نظام العمل، ودراسة فكرة تقليص أيام العمل لأربعة أيام، وبما يجعل المملكة جاذبة للاستثمار ومنتجة للفرص الوظيفية الجديدة، وكلاهما ممكن ومجرب، فقد قامت فرنسا في 2001، بخفض ساعات العمل في القطاعين العام والخاص، من 39 ساعة إلى 35 ساعة، ما ساهم في توفير 350 ألف فرصة عمل، وفي الصين خفضوا أيام العمل في واحدة من المدن الرئيسة عام 2015، إلى أربعة أيام ونصف، وهذا الإجراء زاد من معدلات الإنفاق الاستهلاكي، وتقليل أيام العمل سيقود إلى إحلال موظفين جدد محل المجازين في القطاع الخاص، وستقدم معالجة نسبية لأرقــام البطالة السعـودية، والتي تقدر بما نسبته 7,7%، وفق آخر الأرقام، فقد طبقت شركة مايكروسوفت في اليابان، نظام الأربعة أيام عمل، وعاد هذا عليها بالمنفعة، فقد ارتفعت معدلات الإنتاجية بنسبة 40 %، وتراجع استخدام الورق بنسبة 60 %، ووفرت في الكهرباء بنسبة 35 %، ولم يتم المساس برواتب الموظفين الشهرية، وكأنهم يعملون لخمسة أيام كاملة، وهذه مسألة حساسة يجب الاهتمام بها.

في عام 1890 كان معدل ساعات عمال المصانع في أميركا، يصل إلى 100 ساعة في الأسبوع، ما يعني 16 ساعة في اليوم، ولمدة ستة أيام متواصلة، ويحسب لشركة فورد الأميركية، أنها أول من عمل بنظام الثمانية ساعات في 1914، وضاعفت معه رواتب العمل، والسابق حسن من إنتاجيتها وزاد في هوامش أرباحها، مع أن ساعات العمل أصبحت أقل، والمبادرة التي بدأتها فورد، أقرتها منظمة العمل الدولية في 1919، وحددت فيها سقف ساعات العمل، بثمانية ساعات يوميا، و48 ساعة أسبوعيا، وتحولت بعد ذلك إلى ممارسة معتمدة في كل دول العالم.

المعايير السابقة اختلفت في زمن ثورة المعلومات والاتصالات، وحتى أدوات القياس تغيرت، وتشير بعض الأبحاث، إلى أن الموظف العادي في نظام الثمانية ساعات عمل، يكون منجزا لمدة ساعتين و23 دقيقة لا أكثر، وأجريت دراسة في بريطانيا على ألفي موظف يعملون بنظام الدوام الكامل، وجاء في نتائجها، أن معظم ساعات العمل لا تكون لإنجاز أعمالهم، وإنما ينشغل فيهــــا الموظفون بأمور أخرى، كزيارة منصات السوشال ميديا، وقراءة الأخبار، والنقاشات مع الزملاء، والأصعب أنهم يخصصون 19% من وقتهم المهدر، في البحث عن وظيفة ثانية.

في زمن الصحابة الكرام كان ترك العمل في يوم الجمعة من الأمور المكروهة، لأنه ينطوي على تقليد لاتباع الديانات التي تخصص أياما دون غيرها للعبادة، ولا تمارسها فعليا إلا في حدود ضيقة، والعمل في حد ذاته يمثل شكلا من أشكال التعبد، وإذا أردنا الكلام عن التأصيل الشرعي، فتحريم العمل استنادا لما ورد في القرآن الكريم، يبدأ من النداء الثاني لصلاة الجمعة وحتى انتهاء الصلاة، وهذه لا تزيد في الغالب عن 35 دقيقة، وإجازة السبت والأحد معمول بها في دول مسلمة إجمالاً، كتونس والمغرب ولبنان وتركيا وماليزيا.

في اعتقادي أن القرار إذا صدر بالفعل سيكون موفقًا جداً، وفيه منافع اقتصادية ودينية معاً، فالمملكة في طريقها لأن تكون مركزا إقليميا لأكبر الشركات والبنوك، ومعها المؤسسات الأممية والعالمية، ومن الأمثلة، افتتاح المركز الإقليمي لصندوق النقد الدولي في الرياض، في 24 أبريل الحالي، والاقتصاد السعودي أصبح مرتبطاً بصورة واضحة مع اقتصادات وأسواق العالم، كالبورصة وسوق الأوراق المالية والبنوك والشركات، والمعنى أن توحيد الإجازة الأسبوعية مع بقية دول العالم، سيسهم في دعم التعاملات التجارية والأنشطة السياحية والترفيهية، وسيضمن عوائد أكبر للدولة ولقطاع المال والأعمال، ويوم الجمعة منذ أن نقل من ثاني إلى أول أيام الإجازة، تراجعت أعداد حضور صلاة الجمعة مقارنة بما سبق بفعل السهر، وحضورها في تنظيم الإجازة الجديد، إن حدث، سيزيد من أعداد المصلين بالتأكيد، لأن الناس سيكونوا في أماكن العمل والدراسة، وسيصلون فيها أو في المساجد، بافتراض مغادرتهم لأعمالهم ومدارسهم، في العاشرة والنصف أو في الحادية عشرة صباحاً.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.