في مكانٍ ما يقول أوسكار وايلد ما معناه: «ثمة مصيبتان، الأولى هي ألا نحصل على الأشياء التي نريدها، والثانية أن نحصل على هذه الأشياء»..! نحن إذن إزاء نقيضين. والإنسان، بين أشياء كثيرة أخرى، هو مجموعة من الرغبات والآمال والمشاريع المؤجلة. دائماً ثمّة أشياء نشتهي امتلاكها، وحياتنا ليست إلا مسعى دائم لتحقيق هذه الرغبات التي غالباً ما تتناسل عن رغبات أخرى، ولأن «ليس كل ما يتمنى المرء يدركه» فإن معاناة حقيقية تنشأ عن عجزنا في تحقيق كل ما نريد.
ثمّة أمر مستحيل دائماً، هو نفسه الناجم عن المسافة الأبدية بين الأمنية والواقع، وما إن تتحقق أمنية ما من أمنياتنا حتى تفضي مكانها لأمنيات أخرى وهكذا دواليك، لذا فإن أوسكار وايلد محقٌ تماماً في إشارته إلى المصيبة الأولى، ومحقٌ أيضاً في إشارته للمصيبة الثانية الناشئة عن حصولنا على الأشياء التي نريدها، لأن قيمة الشيء المُشتهى تتناقص، أو تفقد الكثير ما إن يصبح في متناول اليد.
الدكتور جلال صادق العظم وضع دراسة مهمة نشرت في السبعينات في كتاب عنوانه «الحب والحب العذري» حلل فيه نماذج من قصص الحب المعروفة في التراث العربي: قيس وليلى، جميل وبثينة وغيرهما تحليلاً نفسياً عميقاً ليؤكد خلاصة مفادها أن الحب العظيم قائم على الاستحالة، ولذا فإنه محكوم عليه سلفاً بألا ينتهي النهاية التقليدية.
إنه حب في حالة توهج دائم يكتسبها من المسافة بين المحبين، من استحالة الظفر النهائي من أحدهما بالآخر، ولعل هذا ما يفسر تلك النهايات التراجيدية لمعظم هذا النوع من القصص – الأساطير.
حصولنا على الشيء الذي نريده مصيبة، برأي أوسكار وايلد، لأن الهالة التي كنا نحيطه بها يوم كان مجرد أمنية أو رغبة تسقط. يصبح هذا الشيء عادياً ويدخل في المألوف، ولهذا السبب تحديداً ذهب المتصوفة إلى القول «بأن شدة القرب حجاب»، لأنك إزاء القريب من الأشخاص والأشياء ترى كل شيء عادياً.
يقال إنه كلما كبر الإنسان في العمر قلّ استعداده للشعور بالاندهاش إزاء الأشياء والظواهر. بهذا المعنى تبدو الدهشة لصيقة بالطفولة. كل الأشياء تثير لدى الطفل بداية تعرفه عليها شعوراً بالدهشة، بالغرابة، بالرغبة في المعرفة والتملك، وكلما ازداد تعرف الطفل على الأشياء تناقصت قابليته للاندهاش، الدهشة بطبيعتها سريعة، أشبه بومضة برق، سرعان ما تتلاشى لصالح النظرة «الواقعية» التي تتعاطى مع الأمور بعقلانية ورزانة ورصانة تبدو في حالات كثيرة بغيضة وقاتلة.
الشيء عندما يكون مجرد أمنية يبدو مثيراً للفضول والدهشة لأننا لا نملكه، لأننا نريده، وإزاء ما نملك ليس ثمة فضول، لأننا نعرف عنه كل شيء.