: آخر تحديث

شكراً "نورمال ون"!

17
22
17

هل تشعر بنفاذ طاقتك؟ شغفك يتراجع؟ الأفكار والحلول الإبداعية توقفت عن زيارتك؟ لم تعد تطيق ضغوط البقاء على القمة؟ إذا داهمتك هذه الأعراض ارحل عن عملك دون تردد، توقف واحصل على راحة طويلة، أنقذ ما تبقى منك.

هذا ما فعله المدرب الألماني يورغن كلوب، حينما قرر الاستقالة من تدريب ليفربول وهو في قمة المجد، وبلا عثرات أو كوارث كروية، بل إنه يتصدر الدوري الإنكليزي، وهو كذلك معشوق الجماهير واللاعبين في النادي العريق، ويحظى بعلاقة رائعة مع الإعلام.

أي أنه يملك كافة مقومات البقاء والاستمرار، ولكنه بالرغم من كل ذلك يعاني ضغوطاً لا يراها سواه، وعلى رأسها "ضغط البقاء دائماً فوق القمة".

الأمر هنا لا يتعلق باستقالة مدرب كرة قدم، بل إن كلوب يملك قدراً كبيراً من الحكمة والفلسفة، ومن الرائع أن نتعرف على قصة ودوافع رحيله، والتي قد تكرر في حياة أي منا.

فقد قرر كلوب الخروج للإعلام بشكل مفاجئ، تحديداً في 26 كانون الثاني (يناير) الماضي، وأعلن عن أنه سوف يترك تدريب ليفربول نهاية الموسم الحالي.

وعن الأسباب قال إنها ببساطة تتعلق بنفاذ الطاقة، وتراجع الشغف جراء كثرة الضغوط، لأنه مطالب طوال الوقت بأن يبقى مع ليفربول في القمة، ومن ثم فهو ببساطة في حاجة للراحة والانسحاب مؤقتاً من المشهد.

ومن أروع ما قال المدرب الألماني، الذي يقود ليفربول منذ عام 2015، وحقق معه بطولة الدوري بعد غياب 30 عاماً، وكذلك دوري الأبطال، ومونديال الأندية، وغيرها من البطولات، أنَّ الانطباع الذي يرافقك في لحظات القدوم لا يساوي الكثير مقارنة بالانطباع الذي تتركه في لحظة الرحيل.

كلوب، "المدرب الفيلسوف"، منحنا أكثر من درس في الحياة، وليس في كرة القدم فحسب، فقد قال في يومه الأول في ليفربول "أنا رجل عادي"، أنا "نورمال ون" رداً على سؤال يتعلق بالمنافسة مع المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو الملقب بـ"سبشل ون" أي الرجل غير العادي.

ووعد كلوب بأن يعود ليفربول معه لطريق البطولات، وأوفى بوعده وعهده، كما أنه ليس مجرد مدرب ينفق المليارات للحصول على توقيع لاعبين يصنعون هم نجوميته، بل يستعين بلاعبين جيدين، ويقوم هو بصناعة نجوميتهم.

ويكفي أنه فعل ذلك مع ماني السنغالي، وصلاح المصري، وغيرهما من اللاعبين، لتتحول معه عقلية هؤلاء من دائرة "العالم الثالث" إلى عقلية الاحتراف.

شكراً "نورمال ون"، لقد منحتنا درساً في التواضع حينما وصفت نفسك بأنك "رجل عادي" وأنت لست كذلك، وجعلتنا على يقين بأن لحظات الرحيل أكثر أهمية من انطباعات البدايات.

ومنك تعلمنا كيف نخطط ونعمل ونجتهد لتنفيذ ما نقطعه على أنفسنا من وعود، وكيف نتعامل مع محيطنا بهدوء وثقة وروح فكاهة في بعض الأحيان، بالرغم من كل الضغوط، والأهم من كل ذلك "كيف نرحل"، فغالبية البشر لا يجيدون "فن الرحيل".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف