فى لقاء الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء مع كرستينا جورجيفيا مدير عام صندوق النقد الدولى على هامش قمة الحكومات فى دبى تم التشاور على المراجعتين الثانية والثالثة للبرنامج الاقتصادى المكلف، وتم مناقشة عدة قضايا بالغة الأهمية حول الإصلاح، وهذا أمر محمود. لكن المهم هو الاهتمام بالمواطن، ويمكن إجمال ذلك فى عدة نقاط، أبرزها اتخاذ إجراءات جادة للحماية الاجتماعية وتعزيز النمو بمشروعات ذات جدوى اقتصادية كبيرة، واتخاذ خطوات مهمة للسيطرة على عجز الموازنة والدين العام وإصلاح منظومة المعاشات.
لابد من برنامج حكومى يجمل كل القضايا التى تحتاجها مصر خلال المرحلة القادمة، ولو نجحت الحكومة فى هذا الأمر، فسنكون فعلًا قد بدأنا مرحلة جديدة فى تاريخ المصريين، وأهم قضية فى هذا الشأن هى توفير الحماية الاجتماعية للناس. وأهم هدف هو القضاء على الحالة الاجتماعية السيئة التى يعانى منها المواطنون. ولذلك فإننى أرى أن أهم قضية لو نجحت الحكومة فى تحقيقها فستكون قد دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، وهى توفير الحياة الكريمة للمواطن المصرى الذى صبر كثيرًا على الفقر والحياة البائسة والسكن، وانحناء ظهره فى توفير لقمة العيش والمصاريف الباهظة للحصول على الخدمات من خلال الفواتير المرتفعة، والمعاش الضئيل الذى لا يكفى لمدة أسبوع.
القضاء على الفقر فى البلاد ورفع المعاناة الشديدة عن كاهل المواطن مسألة بالغة الأهمية، وأعتقد أن الحكومة لو نجحت فى هذا الأمر فسيقف لها الشعب ونوابه تبجيلًا واحترامًا، والمواطن سيضرب لها «تعظيم سلام» بكل جوارحه. نعلم أن حسن النية متوفر لدى الحكومة فى ذلك، ومنحها الفرصة ضرورة للقيام بهذه المهمة الخطيرة، والشعب لا يريد من الحكومة ولا من الدولة سوى توفير الحياة الكريمة والكرامة الإنسانية.. المواطن يرى هناك كروشًا منتفخة، مصت دماءه على مدار سنوات طويلة، وحالته تسوء يوميًا، ولا بد للحكومة أن تتخذ فعلًا الخطوات اللازمة للقضاء على الفقر. وصحيح أن الأمر قد يستغرق سنوات، لكن هذا لا يمنع أبدًا الحكومة من اتخاذ التدابير اللازمة حتى يشعر المواطن بأن هناك تحسنًا ملحوظًا فى ظروف معيشته القاسية التى لا يرضى بها أى أحد.
إننا نأمل أن تكون الحكومة جادة فى كل أفعالها وتصرفاتها من أجل أن يشعر المواطن المطحون بأن قوت يومه متوفر، والخدمة المقدمة له يحصل عليها دون عناء أو مشقة، ولذلك فإنه يجب على الحكومة، أن توضح الخطوط العريضة للقضاء على الفقر، وتحقيق العدالة الاجتماعية فى توزيع الدخول، والمواطن لا يريد شيئًا من الحكومة سوى ذلك.
وهنا يجب تغيير فى السياسات التى تتبعها مصر خلال الفترة القادمة من أجل نجاح قضايا الإصلاح الاقتصادى التى يتحمل فاتورتها الصعبة المواطن المصرى، خاصة أن المصريين، تعرضوا لمحن كثيرة، وأمامهم تحديات واسعة، بسبب فاتورة الإصلاح، من سُنة الحياة أن يحدث التغيير، ومن سُنة الحياة أيضًا أن يظل يحلم المواطن بتحسين ظروف معيشته الحياتية، خاصة أن قطاعًا كبيرًا من المصريين تعرض لأذى كبير وطويل على مدار عقود زمنية مضت، ومن حق المواطن أن يشعر أنه جاء اليوم الذى تحسنت فيه ظروفه المعيشية.
مصر بدأت الإصلاح الاقتصادى الذى لم يجرؤ رئيس مصرى من قبل على الدخول فى معركته، بعد أن نشأت وترعرعت أجيال فى ظل أزمات طاحنة، لم تفكر حكومة واحدة من الحكومات السابقة المتعاقبة قبل ثورة 30 يونيو فى خوض غمار قضية الإصلاح، واعتمدت كل هذه الحكومات على شىء واحد، وهو العمل بنظام «الترقيع» إن جاز هذا التعبير اللغوى، وبمعنى أدق وأوضح، لم تلتفت كل هذه الحكومات إلى الإصلاح الحقيقى، وتركت الأمور تسير بنظام البركة، ظنًا أن هذا يسعد المواطن أو يرضيه، فى حين أن ما فعلته هذه الحكومات يعد ضد المواطن تمامًا. الإصلاح الاقتصادى ماضية فيه مصر، ولن تتراجع عنه لأنه فى الأصل من مصلحة المواطن. قد لا يشعر به جيل حالى، لكن أجيالًا أخرى ستحصد ثماره، وكفى ما مر من سنوات طويلة والأمور تتأزم وتزداد تفاقمًا. ولم يكن هناك إلا الدخول فى معركة الإصلاح التى تأخرت كثيرًا، وهذه هى معركة التحدى الحقيقية، وبعدها ستنصلح جميع الأحوال. ولذلك فإنه لن توجد أية تراجعات فى عمل الإصلاح الاقتصادى والحكومة مطالبة بإصلاح كل هذه الأحوال المايلة التى تعرضت لها مصر.