: آخر تحديث

فزع أوروبي من عودة ترامب

8
10
8

بمجرد الإعلان عن الفوز المدوي الذي حققه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في أول انتخابات يجريها الحزب الجمهوري لاختيار مرشحه لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام في ولاية أيوا، أخذ الفزع يسيطر على دوائر سياسية أوروبية بدرجة تتجاوز ردود فعل الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي جو بايدن الذي سيخوض هذه الانتخابات باسم الحزب الديمقراطي. فشبح عودة ترامب إلى السلطة يخيف الأوروبيين بسبب سياساته العدوانية نحو أوروبا ونحو حلف شمال الأطلسي «الناتو». فقد اكتسح ترامب جولة انتخابات الحزب الجمهوري في ولايتي أيوا ونيوهامبشير، رغم أنه لم يشارك في المبارزة الانتخابية للمرشحين الجمهوريين التي أجريت في الولايتين، ولم يحضر أياً من هذه المبارزات، فهو يرى نفسه فوق كل هؤلاء المرشحين وأنه يخوض المنافسة ضد مرشح واحد هو الرئيس جو بايدن، أي أنه على ثقة كاملة بأنه لن يكون فقط المرشح الفائز بثقة الجمهوريين ليخوض الانتخابات الرئاسية، بل هو واثق أنه سيكون الفائز في هذه الانتخابات، وأنه الرئيس الأمريكي القادم.

هذه الثقة تؤكدها وسائل استطلاع الرأي العام ومن بينها صحيفة نيويورك تايمز وشبكة «سي.بي.سي»، فقد أظهرتا أن بايدن يواجه صعوبات حقيقية للفوز برئاسة ثانية، وأن بوصلة مزاج الناخب الأمريكي تتجه نحو ترامب، وأنه لو جرت الانتخابات الرئاسية الآن فسيفوز ترامب بأغلبية أكثر من 300 صوت في المجمع الانتخابي وهو ما يزيد بكثير عن المطلوب.

هذه الأنباء التي أخافت الأوروبيين دعمتها الهجمة الشرسة التي يخوضها ترامب ضد الرئيس بايدن وسياسياته، ومنها بالطبع سياسة التقارب مع أوروبا والتورط في حرب أوكرانيا، وتجديد الدعم لحلف الناتو. ترامب أعلن في أحدث منازلاته الانتخابية عقب فوزه الساحق في ولاية أيوا أن الولايات المتحدة أصبحت «مزبلة للعالم» نتيجة لعدم كفاءة الرئيس بايدن. وفي معرض شنه هجوماً ضارياً على منافسيه من الجمهوريين، بخاصة حاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتيس الذى انسحب من الانتخابات التمهيدية للجمهوريين، قال ترامب متحدثاً عن دي سانتيس «لسنا في حاجة إلى أحمق آخر فلدينا مثله الآن في البيت الأبيض».

هذا الكلام يحمل بالنسبة لأوروبا معنيين؛ أولهما أن ترامب، في حال فوزه بالرئاسة، سيحدث انقلاباً كاملاً في السياسة الخارجية، ضمن أولويات مختلفة عن أولويات بايدن، منها التحول عن سياسة التحالف مع أوروبا، والتراجع عن دعم الحرب في أوكرانيا والعداء لروسيا.

وثانيهما أن رفع شعار «أمريكا عظيمة» الذي يتبناه ترامب في حملته الراهنة يعني العودة إلى سياسة الانكماش في السياسة الخارجية، وإعطاء كل الأولوية لإعادة بناء أمريكا كي تبقى «عظيمة» على النحو الذي يردده ترامب، بما يعنيه ذلك من تخفيف في التزامات أمريكا نحو أوروبا، وفي مقدمتها التزاماتها المالية والعسكرية الهائلة في دعم أوكرانيا.

لذلك لم يكن غريباً أن تنشر صحيفة «بوليتيكو» تحليلاً مطولاً عقب اكتساح ترامب انتخابات الجمهوريين في ولاية أيوا عنوانه «مع اقتراب عودة ترامب.. أوروبا ترتجف من احتمال مواجهة بوتين بمفردها»، ولم يكن غريباً أن يكون رد فعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو الحديث عن «بقاء أوروبا بمفردها» وأن هذه التطورات التي تحدث على الساحة الأمريكية «تظهر أن أوروبا يجب أن تكون واضحة بشأن الولايات المتحدة» وأنه لهذا السبب «نحتاج إلى أوروبا أقوى قادرة على حماية نفسها، ولا تعتمد على الآخرين».

السؤال المهم تعليقاً على هذا التطلع الفرنسي هو: هل أوروبا تستطيع؟

السؤال مهم في ظل تحديين يواجهان فرص بقاء الاتحاد الأوروبي متماسكاً أولهما الانقسامات الراهنة في مواقف الدول الأوروبية إزاء الاستمرار في دعم أوكرانيا بسبب التداعيات السلبية لهذه الحرب على أوروبا اقتصادياً واجتماعياً. وثانيهما التحولات السياسية والأيديولوجية التي أخذت تفرض نفسها في السنوات الأخيرة في التحول نحو اليمين الذي يدعم «الهويات الوطنية» على حساب الاتحاد الأوروبي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد