: آخر تحديث

العبث في الجنسية

7
7
9

تعددت وجهات النظر في التعامل مع ملف الجنسية، فهناك من يرى عدم المساس به إطلاقاً باعتباره قنبلة موقوتة يجب عدم الاقتراب منها، وهناك من يرى أهمية طرح ملف الجنسية وضرورة مراجعة ملفاته، ويهمنا في هذا المقال تناول وجهة نظر الراغبين بالتصدي لهذا الملف الحساس، فهناك من يتبنى طرحاً متشدداً تصعيدياً وأحياناً عنصرياً ولو أدى الى احداث البلبلة في الدولة والمجتمع، وهناك رؤية ثانية يتبناها من يأمل أن تفتح ملفات العبث في الجنسية بطرق موضوعية وعلمية ودستورية، وعلى نحو لا يؤدي الى زعزعة المجتمع أو إستقراره، وأعد نفسي من زمرة أصحاب الرؤية الثانية، فمعظم دول العالم تولي ملف الجنسية أو الهجرة لها أهمية كبرى وتعتبرها من أساسيات الأمن الوطني.

نواجه في المجتمع الكويتي عملياً إشكالية طرح موضوع الجنسية وأسلوب معالجته، وبصفة عامة يمكننا القول بأنه لا وضوح في الرؤية عند كل الفرق ولا معالجات موضوعية متكاملة لملف العبث بالجنسية، وتتعاظم المشكلة حين يتجاوز البعض القواعد الدستورية بالعدالة واحترام القانون مع المواطنين أمثاله بنعتهم بأن هم مزورون أو بأن جناسيهم قد تكون مزورة، وتطلق تلك الأطروحات على نحو مرسل دون تقديم دليل أو برهان، والخطورة في مثل هذا الطرح أن بث الاشاعات من شأنه تعزيز صور العنصرية وعوامل تمزيق المجتمع، فالأصل العام بأن كل من أخذ الجنسية الكويتية يتمتع بالحقوق والامتيازات الدستورية والقانونية، وله الاحترام والتقدير وفق ما كفله الدستور والقانون، والاستثناء مما سبق يتمحور فيمن يثبت عليه بعد التحقيق والتثبت بأنه خالف قانون التجنيس عبر أخذ الجنسية بطرق غير قانونية أو عبر الغش والتدليس، والأصل عدم التعميم بافتراض وجود حالات للتزوير قائمة، والتثبت والتحقق مقدم وهو الأساس في هذا الموضوع الحساس.

من الملاحظ أن بعض الأطراف المتفاعلة والمتشددة في التعامل مع ملف الجنسية توجه أصابع الاتهام لبعض المواطنين بصفة عامة أو بعض فئات المجتمع في ما يتعلق بالعبث بملف الجنسية، وأحيانا يطول ذات الاتهام بعض أعضاء مجلس الأمة، وهذا الطرح ينم عن قصور في النظر وابتعاد عن جوهر المشكلة، فنعم هناك من المواطنين من ساهم في ممارسات العبث بالجنسية، ونعم هناك البعض من أعضاء مجلس الأمة من دعم منح الجنسية للبعض دون وجه حق، ولكن المشكلة الأكبر والتي يحاول بعض رافعي راية المحافظة على الجنسية والمحافظة على الهوية الوطنية تغافلها أو التعامي تلك المرتبطة بالدور الكبير جداً للسلطة التنفيذية والحكومات المتعاقبة في إدارة ملف الجنسية، فقد منح القانون للسلطة التنفيذية بالتصرف والسلطة المطلقة في ملف الجنسية دون معقب، ومن جانب آخر يتعامى ذات الطرف المتفاعل مع موضوع الجنسية الممارسات العملية للحكومات المتعاقبة في العبث بملف الجنسية، فالقارئ الكريم يجب أن يعلم أن الطرف الوحيد المخول وفق القانون بمنح الجنسية أو إسقاطها أو سحبها هم أعضاء السلطة التنفيذية (وزارة الداخلية – مجلس الوزراء)، ويعني ذلك أنه لا دور لمجلس الأمة او القضاء في منح الجنسية أو إسقاطها أو سحبها، ولا صلاحية لهما بنقض أو الغاء القرارات الصادرة من السلطة التنفيذية بمنح الجنسية لطرف ما أو إسقاطها أو سحبها عنه، وللحقيقة والتاريخ فإن المسؤول الأول والوحيد عن كل ما حدث بشأن العبث في ملف التجنيس هم أعضاء أغلب الحكومات المتعاقبة منذ أول حكومة قامت في عام 1963م بعد اصدار الدستور وحتى تاريخه، والقارئ يجب أن يعلم بان قانون الجنسية القائم لا يمنع السلطة التنفيذية او أي حكومة من الحكومات تشكيل لجان تحقيق بشأن العبث بالجنسية بافتراض جدية تلك الحكومات في التعامل مع ملف العبث بالجنسية، بل ان قانون الجنسية القائم يعطي صلاحية واسعة لوزارة الداخلية ومجلس الوزراء في إسقاط الجنسية أو سحبها ولو كان ذلك في بعض الأحيان تحقيقا للعبارة الفضفاضة والتي يطلق عليها «المصالح العليا للبلاد!»، والدليل على ما سبق فريق العمل الذي شكله مجلس الوزراء في عام 2008 برئاسة الشيخ ثامر الجابر الصباح «بشأن العبث بملف الجنسية» - (تقرير ثامر)، والذي ثبت من واقع تقرير فريق العمل قيام العبث في ملفات الجنسية، إلا أنه ومع الأسف، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة والمقدرة للشيخ ثامر الجابر الصباح ومن معه من أعضاء الفريق لإعداد التقرير إلا أنه تم إهماله من قبل الحكومة التي شكلت الفريق أو من الحكومات التي جاءت من بعد ذلك، والشاهد مما سبق أن الطرف الذي يجب أن يوجه له النقد والعتب والمطالبة بالتصحيح هم أعضاء السلطة التنفيذية باعتبار أن كل ما حدث من تجاوز كان بعلمهم وغالبا بقرار منهم، وبافتراض حجة وجود ضغوط نيابية أو شعبية، فالمفترض ألا يستجيب صاحب القرار الحكومي لها باعتبار منح الجنسية خطا أحمر مرتبطا بالأمن الوطني.

ومع تأييدي الكبير لفتح ملفات العبث بالتجنيس ومحاسبة كل من تجاوز في ملف الجنسية قضائياً، أرى من منطلق قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ»، وأيضا من منطلق تفعيل مقوم العدالة الاجتماعية والقانونية التي نادى بها دستور دولة الكويت، فإنه يتطلب في أية خطوة قادمة بشأن بحث موضوع العبث في ملف الجنسية ان يتعامل مع الموضوع على نحو يتوافق مع الدستور وبطرق عملية وموضوعية، وفي حال التحقيق القانوني أن تتوفر ضمانات الدفاع لكل طرف له علاقة بالموضوع، وأن تشمل التحقيقات والمساءلة كل الأطراف المتورطة بالعبث دون مراعاة لمكانتهم الاجتماعية أو السياسية، وأن يكون ضمن المقترحات المقدمة القيام بتعديل القوانين اللازمة لمنح القضاء صلاحية بحث ملفات المنح أو السحب للجنسية حتى تتحقق مسطرة العدالة، وحتى لا تمنح الجنسية إلا لمستحقيها، ولا تسقط أو تسحب عن أي كويتي كان يتمتع بامتيازات الجنسية كغيره من المواطنين دون نظر وتحقق طرف محايد كالقضاء، فالقضاء هو الطرف المحايد والطرف المستأمن على تحقيق العدل، ومن غير المعقول الاستمرار في منح الصلاحيات المطلقة للسلطة التنفيذية في ملف الجنسية بعد كل هذا العبث الصادر منها، وأصبح من اللازم إشراك أعضاء القضاء في هذا الملف لضمان حياديته والتزام القائمين عليه بالدستور والقانون.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد