: آخر تحديث

مشكلات الغرب وقضايا الآخرين

36
34
28
مواضيع ذات صلة

منذ بروز الاستعمار الحديث أو الجديد neocolonialism في أعقاب الحرب العالمية الثانية، طغت على سطح السياسة في العالم ظاهرتان في الإمكان اختصارهما بالمعادلة أو الفرضية التالية: مشكلات الغرب هي مشكلات العالم بأجمعه، أما مشكلات الآخرين خارج نطاق جغرافية الغرب هي مشكلات الآخرين ولا علاقة للغرب بها.

الطرف الأول من المعادلة يعني، إن واجه الغرب مشكلة ما، فعلى العالم أن يقف في صفه وفي خندقه. ليس هذا فقط، بل على العالم أن يقبل ما يمليه الغرب عليه.

الطرف الثاني من المعادلة يعني، إن واجه الآخرون، غير الغربيين، مشكلات، فهذه مشكلاتهم وحدهم، لا ناقة ولا جمل للغرب فيها غير مصالحه الاستراتيجية الخاصة به.

وإلى عهد قريب، كان العالم يقبل بهذه المعادلة خشية من السطوة الغربية. فكان يصطف مع الغرب ظالما أو مظلوما، ويتبنى سياساته، عادلة أو مجحفة.

وأي مشكلة وقع الغرب فيها أو كان مسببا لها ـ وما أكثرها ـ ما كان للآخرين إلا قبول السياق الغربي والترجمة الغربية والتفسير الغربي الذي يرافقها.

بيد أن الغرب كان يغض الطرف عن مشكلات الآخرين. بمعنى آخر، إن مشكلات الآخرين هي للآخرين، أما مشكلات الغرب فهي مشكلات الدنيا برمتها. ليس هذا فقط، بل المطلوب من الآخرين الاصطفاف وقبول الشروط الغربية،، والنظرة الغربية والاستراتيجية الغربية حتى إن لم تقع في خانة المصالح والقيم التي يتبناها الآخرون.

فمثلا، إن غزا أو احتل الغرب أراضي دولة ما، كان على الآخرين الوقوف في صفه والعمل على إنجاح مهمته، حتى إن لم تكن هناك أي مسوغات تذكر، وحتى إن كان العمل هذا انتهاكا صارخا للقوانين والأعراف الدولية التي صاغها الغرب بنفسه.

خذ مثلا غزو العراق. إن لم تكن دولة شريكة في الغزو، فكان لزاما عليها ـ أو بالأحرى لا مناص لها ـ مساندة ما يراه الغرب منكرا إن باليد أو باللسان في أقل تقدير.

وإن احتلت دولة قريبة جدا من الغرب أراضي الآخرين ـ كاحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية وهجومها الفتاك الأخير على مخيم للاجئين الفلسطينيين ـ فإن الغرب يقف في صف المعتدي، أما المشكلة الفلسطينية ومخيمات اللاجئين والاحتلال والحصار فهذه مشكلات الآخرين.

وهناك أمثلة كثيرة في مضامير الحياة والسياسة والاقتصاد والمال والتجارة وغيرها ما جعل رائحة النفاق وازدواجية المواقف الغربية تزكم الأنوف.

وضاق الآخرون ذرعا بعدم عدالة الغرب في السياسات والمواقف التي يتبناها صوب الآخرين عند تعلق الأمر بالمشكلات الخاصة به. ووصل الأمر بالغرب إلى استخدام حتى دعائمه وموارده الاقتصادية والمالية سلاحا في معاركه وصراعاته من خلال فرض حصارات خانقة على مناوئه.

ولم يقف الحد هنا، بل ذهب الغرب بعيدا في استخدام سلاح الحصار الاقتصادي الذي كان يجبر فيه حتى الآخرين لتطبيقه على مناوئه، أي إن فرض الغرب حصارا على توريد مادة ما إلى دولة ما، فإن نطاق الحصار يشمل الأطراف الثلاثة أيضا، أي كل الآخرين.

وكان لا بد من قشة لكسر ظهر البعير. والقشة كانت الحرب في أوكرانيا، حيث حاول الغرب تطبيق السياسة ذاتها القائمة على أن مشكلاته هي مشكلات للآخرين أيضا، أي أن العالم برمته يجب أن يجاري موقفه من الحرب في هذا البلد.

ولكن هذه المرة سارت الرياح بما لا تشتهيه سفن الغرب. وقفت دول عديدة ومؤثرة على الحياد ولم تتماش مع سياسات الخنق الاقتصادي التي اتبعها الغرب لمعاقبة روسيا لدخول جيشها الأراضي الأوكرانية.

وكانت دول شرق أوسطية ومعها الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وإندونيسيا وماليزيا وغيرها في مقدمة الدول التي عزفت عن مجاراة المواقف الغربية في هذه المشكلة بالذات، ما فتح الباب لتبني مواقف أكثر عدالة تجاه المشكلات الخاصة التي تخص الغرب.

لم يكن الغرب سعيدا بهذه المواقف، ولو تمكن أو استطاع إلى ذلك سبيلا لفرض خنقه الاقتصادي على كل الآخرين الذين لم يلبوا طلبه في تبني سياساته ومواقفه من الحرب في أوكرانيا، ولكن لم تكن في اليد حيلة، فقبل الوضع الجديد وهو مكره.

ربما هذه أول مرة بعد الحرب العالمية الثانية تصبح مشكلة يعانيها الغرب مشكلته الخاصة وليست مشكلة الآخرين.هل سيراجع الغرب نفسه ومواقفه، أولا من المشكلات الخاصة به، ومن المشكلات التي يختلقها ثانيا، ثم المشكلات التي يعانيها الآخرون وأغلبها بسببه؟

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد