: آخر تحديث

ورطة النظام الإيراني تتضاعف أمام تنامي الثورة كمًّا ونوعًا: لا قمعه يجدي ولا إصلاحاته مقبولة!

28
28
24
مواضيع ذات صلة

لم يتوقع أحد في العالم أن يتمكّن منتخب إيران في كرة القدم من الصمود أمام منافسه المنتخب الإنكليزي، في المباراة التي جمعتهما، بعد ظهر أمس في "مونديال قطر"، لكنّ العيون لم تكن مسلّطة على أقدام اللاعبين البريطانيّين ومهاراتهم، بل على شفاه اللاعبين الإيرانيّين.
 
في العمق، لم تكن المباراة الحقيقيّة بين منتخبَي إنكلترا وإيران، بل بين المنتخب الإيراني ونظام بلاده، إذ إنّ صفوة أبطال كرة القدم الإيرانيّة كانت قد أبدت، في وقت سابق، رفضها للقمع الذي يمارسه النظام ضدّ الثوّار الإيرانيّين ممّا أوقع أكثر من أربعمائة قتيل وآلاف الجرحى وأدّى الى اعتقال أكثر من خمسة عشر ألف شخص وصدرت أحكام "جاهزة" تقضي بإنزال عقوبة الإعدام بعشرات منهم.
 
ولم يكن أمام هؤلاء اللاعبين سوى وسيلة واحدة للتعبير عن مناصرة الثوّار ومواجهة النظام: الإمتناع عن أداء النشيد الوطني.
 
قبل توجّه المنتخب الإيراني الى قطر للمشاركة في "مونديال 2022"، كان قد لعب مباراة تحضيريّة، حيث أدّى فقط لاعبان النشيد الوطني. اللاعبون الآخرون امتنعوا، وأكدوا أنّ هدفهم كان رفع لواء التضامن مع ضحايا القمع في بلادهم ومع شعبهم المقهور والحزين.
 
وقد تعرّض هؤلاء اللاعبون لهجوم مركّز من قيادات موالية للنظام، وجرت المطالبة باعتقالهم ومنعهم من التوجّه الى قطر، لكنّ المسؤولين الإيرانيّين لم يجرأوا على اتخاذ خطوة مماثلة، نظرًا لتداعياتها الضخمة، فقرروا "إقناع" اللاعبين بالتراجع عن هذا النهج.
 
وكان هذا الموضوع محور لقاء جمع المنتخب بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر أي عشية التوجّه الى قطر.
 
وسرّب لاعبون في المنتخب معلومات كافية عن محاولات رئيسي الرامية الى ثنيهم عن إصدار أيّ إشارة داعمة ل"الخونة والتخريبيّين والمضلّلين".
 
وقد حفلت الصحف الإيرانيّة بهذا الموضوع، في اليوم التالي للّقاء. بعضها تحدّث عن أنّ اللاعبين اضطروا، ليُسمح لهم بالتّوجّه الى قطر، للتوقيع على تعهّدات بأن يشاركوا، بحماسة، بأداء النشيد الوطني الإيراني. بعضها الآخر تحدّث عن أنّ اللاعبين أنفسهم تعهّدوا لرئيسي بأنّهم سوف يؤدّون النشيد الوطني بصوت عال. الرواية التي تقاطعت فيها المصادر التي استندت إليها الصحف لفتت الى أنّ كلّ لاعب من المنتخب، وبعد اللقاء برئيسي، تلقى عشر ليرات ذهبيّة.
ولكنّ الصورة اختلفت، بمجرّد أن وصل المنتخب إلى قطر، إذ بدأت تتوالى الإشارات، مع ارتفاع وتيرة القمع، إلى أنّ تمنيات النظام لن تكون...أوامر.
 
وعند افتتاح المباراة، في استاد خليفة الدولي، كان الجميع، ولا سيّما الجمهور الإيراني، يراقب ما سوف يُقدم عليه لاعبو المنتخب، فكان صمتهم ناطقًا، حين ضجّت مكبّرات الصوت بالنشيد الوطني الإيراني.
 
وعلى الرغم من أنّ مشاركة المنتخب في "مونديال قطر" لم تلق استحسان الثوّار الإيرانيّين، لأنّ من شأن ذلك أن يُلهي شعبهم عن مشاكله الحقيقيّة، إلّا أنّ ما فعله المنتخب في قطر، أعطى الثورة المندلعة في إيران ضد النظام أبعادًا شعبيّة، وجعل حتى غير المهتمّين بمتابعة السياسة وتطوراتها يطرحون الأسئلة عن حقائق ما يحصل في إيران.
 
ولم يجانب الصواب الممثّل الإيراني محسن تانابنده، عندما حلّل النتيجة التي انتهت إليها مباراة منتخبي إيران وانكلترا، قائلًا: "هذه ليست نتيجة الملعب، بل هي نتيجة الحالة النفسيّة المحطّمة".
 
وقد يكون اللاعبون، وبعدما امتنعوا عن أداء النشيد الوطني، شعروا بضغط الإنعكاسات عليهم، عندما يعودون إلى بلادهم.
 
وقد قرّر رياضيون آخرون شاركوا في مسابقات عالميّة الإمتناع عن العودة الى إيران، لكنّهم كانوا في دول لجوء. قطر، في الموضوع الإيراني، ليست دولة لجوء.
 
على أيّ حال، لم يكن المنتخب الإيراني وحيدًا في إيصال الرسالة الى العالم، فالجمهور الذي واكبه، من المدرّجات ومن منطقة المشجّعين، رفع شعار الثورة " المرأة، الحياة، الحريّة"، فيما نزعت النساء الحجاب عن رؤوسهنّ وارتدين الملابس التي يكافحها النظام المتشدّد.
 
 ومنذ اشتدّ عود الثورة التي بدأت باحتجاجات على قتل "شرطة الأخلاق" الشابة مهسا أميني في السادس عشر من أيلول/ سبتمبر الأخير ركّزت السلطات الإيرانيّة اهتمامها على نجوم المجتمع من فنّانين ومخرجين وممثلين ورياضيين، وطاردتهم واعتقلت من لم يتمكّن منهم من الإختباء أو السفر.
 
وعلى خلاف حركات الإحتجاج الأخرى التي شهدتها إيران في سنوات سابقة، وكان أبرزها تلك التي عرفها العام 2019 وحملت اسم "ثورة البنزين"، فإنّ الثورة الحالية، بدل أن تتراجع تشهد زخمًا استثنائيًّا، وبدأت تُثير الكثير من الأسئلة الإشكاليّة داخل النظام نفسه الذي يظهر أعجز من أن يتراجع أمام المدّ الشعبي، لأنّ الإيرانيّين الثائرين، بعدما فقدوا الثقة به، يرفضون "الإصلاحات" ويصرّون على التغيير.
 
وبدا لافتًا لاهتمام المتابعين أنّه كلّما أطلّ رمز من رموز النظام ليوحي بقوّته، محاولًا من خلال ذلك توفير غطاء لتصعيد عمليات القمع التي يتوهّم بأنّها ستكون حاسمة، تصاعدت وتيرة المشاركة الشعبيّة في الثورة.
 
حصل ذلك، بداية عندما "أعلن" قائد "الحرس الثوري الإيراني" اللواء حسن سلامي، "انتهاء" الثورة الشعبيّة، ولاحقًا، عندما أطّل "مرشد الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران" علي خامنئي مستخفًا بالثوار وقدراتهم موجّهًا إليهم تهم "الضلال" والخيانة والتآمر.
 
ولم تجدِ نفعًا محاولات النظام ربط الثورة المتواصلة بالخارج، من أجل ضربها وثني الإيرانيّين عن المشاركة فيها، إذ كشفت التطوّرات أنّ الثوار أنفسهم يضغطون على قادة المجتمع الدولي، من خلال الجاليات الموجودة في مجتمعاتهم، من أجل الإنتقال من الدعم اللفظي الى الدعم الفعلي، وفق ما فعلت الناشطات الأربع اللواتي استقبلهنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أخيرًا، مطالبات إيّاه بعزل "الحرس الثوري الإيراني" وطرد أبناء المسؤولين في النظام الذين يعيشون في الدول الغربيّة، إذ إنّه في الوقت الذي يتمتعون فيه  بالديموقراطيّة  يقمع  آباؤهم  بأعنف الوسائل الشعب الإيراني.
 
على أيّ حال، في قطر، ب"صمت" المنتخب ونطق الجمهور، وفي الداخل الإيراني، باشعال الثوّار للساحات والشوارع والمدارس والجامعات في أكثر من مدينة، ثبتت صحّة ما قالته ملهمة حركة "قص الشعر" الإيرانيّة رويا بيرايي لماكرون:" لا شيء سيجعلنا نتراجع. لن نعود الى الوراء أبدًا".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.