أنهت القمة العربية الثالثة والثلاثون أعمالها في العاصمة البحرينية المنامة، مساء الخميس 16 من هذا الشهر، وأصدرت في ختام أعمالها بياناً ختامياً، أطلقت عليه «إعلان المنامة».
وقد جرت العادة على أن ينعقد مؤتمر صحافي في نهاية أعمال كل قمة عربية، وأن يشارك في هذا المؤتمر أمين عام جامعة الدول العربية، ووزير خارجية الدولة التي استضافت أعمال القمة، وهذا ما جرى مساء الخميس عندما انعقد المؤتمر بحضور أحمد أبو الغيط، أمين عام الجامعة، وعبد اللطيف الزياني، وزير خارجية مملكة البحرين.
وكان من الطبيعي أن يتلقى المسؤولان أسئلة متنوعة من ممثلي وسائل الإعلام، وكان أحد الأسئلة عن أن الحرب على قطاع غزة قد دخلت شهرها السابع في 7 مايو، وأنها لا تزال دائرة من دون ضوء في آخر النفق، وأن الناس في كل مكان يتساءلون: أين ما يسمى المجتمع الدولي من هذه المقتلة للأطفال والنساء والمدنيين في قطاع غزة على مدى ما يزيد على نصف السنة؟.
وعندما تصدى أمين عام الجامعة للإجابة عن السؤال قال ما معناه: «إن ما جرى ولا يزال يجري في القطاع مؤشر على سقوط الأخلاق فيما يسمى بالمجتمع الدولي، الذي يرى ما يراه من قتل ونسف وتدمير يومياً في أنحاء غزة كلها، ثم يغمض عينيه، ولا يتحرك أو يبادر بفعل شيء».
والحقيقة أنك عندما تتوقف أمام إجابة الأمين العام لجامعة الدول العربية تكتشف أنه على حق فيما يقول، وأنه على غير حق في ذات الوقت.. كيف؟، هو على حق لأن أحداً لم يكن يتصور أن يصل تجاهل المجتمع الدولي لأحوال المدنيين في القطاع إلى هذا الحد، وقد تساءل الرجل وهو يجيب عن السؤال عما إذا كان هذا المجتمع نفسه سيغمض عينيه، ويسكت، ويصمت، لو أن ما شهدته غزة قد شهدته أوكرانيا مثلاً ؟!.
وهذا صحيح تماماً، وهذا في حد ذاته إجابة أخرى عن السؤال، لأن الغرب الذي انتفض وينتفض لإنقاذ أوكرانيا ومدها بكل سلاح، هو نفسه الذي لا يرى شيئاً في مد إسرائيل بالسلاح لقتل الأطفال والنساء والمدنيين في غزة.
والأمين العام يبدو في المقابل على غير حق في إجابته، لأن السياسة الدولية لا تعرف شيئاً اسمه الأخلاق في العموم، لا في غزة ولا في غيرها، ولذلك، فلا أخلاق يمكن الحديث عن سقوطها في الحرب على غزة، لا لشيء، إلا لأنها أخلاق غير موجودة في الأصل.
بالطبع يمكن الحديث عن نوع من هذه الأخلاق في تظاهرات الجامعات والشوارع في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي أوروبا، فالذين تظاهروا هناك هم في أغلبيتهم من الشباب، وهم الذين يمكن الحديث عنهم باعتبارهم ضميراً إنسانياً لم يقبل أن يرى هذا التوحش الإسرائيلي في كل شبر من غزة، ثم يلتزم الصمت أو السكوت في النهاية أمام ما يراه ويعاينه.
هؤلاء الشباب المتظاهرون في أعرق جامعات العالم هم الذين قالوا بأفصح لسان إنه لا أخلاق في السياسة في الغرب حتى يمكنها أن تسقط، ولكن المشكلة أن قادة الدول التي تشهد هذه التظاهرات لا يبالون بأن يقال إن ضمائرهم الحية قد ماتت، وإن تظاهرات الشباب الحاشدة في الشوارع وفي الجامعات هي التي كشفت موت هذه الضمائر.. لا يبالون بالمرة، وهذا دليل آخر عن أن الحديث عن وجود أخلاق في السياسة الدولية هو حديث عن سراب.
والآن: ما العمل؟ لدينا ما نعمله طبعاً، وهذا العمل هو عملنا نحن هنا في المنطقة، لا عمل طرف آخر هناك نراهن عليه مرات ثم يخيب الرهان، فلنجرب أن نراهن على أنفسنا وسوف نرى بعدها، وقد حدث هذا من قبل عندما راهن العرب على أنفسهم في حرب أكتوبر 1973 فانتصروا، وليست هذه دعوة للحرب بالتأكيد، ولكنها دعوة لاستخدام ما في أيدينا من أوراق سياسية، ودبلوماسية، واقتصادية، وكلها أوراق مؤثرة ونافذة، وحين نستخدمها أو نوظفها سوف نرى فعلها ومفعولها بأعيننا أمامنا.