: آخر تحديث
انعكاس

شاهد على الحياة

12
12
14
مواضيع ذات صلة

لا أدري إن كان هناك شاعر آخر في لغةٍ أخرى نال ما ناله المتنبي من الاستشهاد والتذاكر، فهو الحاضر دائمًا بما هو أكثر من الشعر وأشهى من الفلسفة وأصدق من التذكّر وأكذب من الحقيقة.

فالمتنبي على مدى ألف عام وأكثر ظل الحاضر في الخطاب.. حيث امتطاه رجال الدين حيث أرادوا وأنّى شاؤوا، وادَّعاه المثقفون حين اعترّوا به، وداهنه السياسيون في مشارق الأحداث ومغاربها، وتمثله الفرسان حتى ماتوا بعده.. وحين انفتح عليه المتعبون ألبسوا تعبهم ثياب كبريائه..

المتنبي أصدق من كذب حتى وإن حاكمنا الفن من خارج دائرته، وصادرناه حقه في الإجابة الوجدانية على أسئلة الوجود، وأعزّ من بكى حين كان البكاء سنتنا الشعرية منذ أن دعانا جدنا الأكبر للوقوف بغرض البكاء على طللٍ لم ندركه، إنه ظاهرة القول ومنارة اللغة شاهد على الحياة دائما كلما استدعيناه من مجلسه في بلاط سيف الدولة حيث أطال الأخير من مقامه في جفن الردى النائم! حتى وهو عند كافور الإخشيدي ورغم تثاقفنا وتظاهرنا بالإنكار نستقبل بين جهلٍ وآخر عنصريته بصدرٍ رحب وانتشاء آثم كلما تحرّش بهواجسنا عنصريٌّ يقيم في أقصى الذنب مهما وأدته المدينة وردعته القوانين المعاصرة.. 

المتنبي شاعر ينادى عليه فيحضر بزيّه الوحيد زاهدًا حينًا ومختالا في أحايين أخرى، وآخر أراد له الرواة أن يموت بشعره، فما دعاه واعظٌ إلا وكان شعره الوعظ، ولا خطب ودّه عالم إلا وألهمه بخيالاته لشيء لم يكن، حتى أولئك الذين تمثّلوا الحكمة لم يجدوا من هو أحكم منه ليتمثّلوه كلما تورّطوا في الكلام.. إنه المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس.. ليس في عصره وحسب بل في عصور كل الناس قبلنا وبعدنا..   

فاصلة:

أنا جدُّك الموفور بالذكر إنما

سعال الأغاني.. من دخان نهايتي

تنبأتَ منفى.. أو تأبَّطتَ سنةً

لديك وراء الغيب، غير روايتي

أموت فهل ورَّثْتُ إلا غوايةً

وهل آخر الغاوين.. إلا بدايتي؟!


 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.