: آخر تحديث

الجمهورية الضائعة

15
11
20
مواضيع ذات صلة

يشدّكم الحبر المعصور صارخاً: عن أية جمهورية جديدة تبحثون في لبنان متعدد الجمهوريات؟ ولأن الإجابات تتبعثر في خلافاتكم حكّاماً تقبضون على الحاضر أو تُقيمون في حنينكم إلى ماضٍ غبر، يتعثر المستقبل الوطني سجيناً لتقاسم الصلاحيات المستحيلة في ما بينكم. تتقاذفكم الرياح بين انتخاب رئيس جديد للجمهورية أو الاستمرار بحكومة تصرّف ما لا يُصرف أو جديدة لتقطيع الوقت بانتظار ما سيجري في إيران أوّلاً وانتخابات إسرائيل ثانياً والانتخابات النصفية في أمريكا ثالثاً. انتظاراتكم تضجّ بحروب إعلامية طائفية حزبية مقلقة بحثاً عن تلقّف الأسرار والأوامر تُقايضونها بالمناصب.


اختصر ميشال عون عهده بكلمة: «يستحيل أن يُحكم لبنان بثلاثة رؤوس». المقصود استحالة حتى القول بالرؤساء الثلاثة. هذا يعني أن الموارنة مسكونون بالحنين إلى سلطات الجمهورية الأولى بينما يتطلّع الشيعة نحو دستور جديد قد يضمر المثالثة في توزيع السلطات الأمر الذي قد لا ينطبق لا على السنة ولا على معظم الأرتوذكس والكاثوليك ولا على الدروز أو كلهم يُقرّون بتعثّر دستور الطائف الجديد الذي صار قديماً لأنه باقٍٍ هديةً جميلة ملفوفة أخرجت اللبنانيين من جحيم حروبهم بصيغة الجمع قبل 33 سنة أعني في ال1989.

هم قطعاً لا يبحثون عن حروب أهلية جديدة ويتطلعون نحو جمهورية رابعة تصحيحية، وخصوصاً بعدما حطّ الترسيم البحري على وعود الثروات النفطية والغازية وقد خبا بريق «ثورة» 18 أكتوبر/تشرين الأول 2019 وكان الدولار ب 1600 ل.ل قافزاً مئة ليرة صعوداً، وصار سعره 40400 ل.ل.. وكأن شيئاً لم يكن.

لنقل بأنها جمهورية الرؤوس السبعة المرفوعة بالأنكار والأخبار والأسرار تحتضن شعوبها المطواعة طائفياً غير المتجانسة وطنياً وكأنها الجمهورية النادرة بلا دستور بالنهج الديمقراطي الذي اقتيد إليه الجميع ولو على مضض ونقيق وصراعات طويلة دائمة.

ما هو رقم الجمهورية التي تنتظرون؟ الجمهورية الرابعة ضائعة وهي بين أيديكم. هي ليست الثالثة ولا الثانية ولا الأولى التي بها تحلمون متطلعين نحو الماضي السحيق الذي لن يعود أو نحو مستقبل عسير لم تدركوا حتى حاضره.

يروي العميد ريمون إدّه رئيس حزب «الكتلة الوطنية» رحمه الله (كنت زائره اليومي في باريس (1978-1982) وفي كل يوم أحد في فندق «البرانس دو غال» مكان إقامته؛ حيث كان صالونه مشرّعاً لكل السياسيين المتوافدين إلى هناك بكل متناقضاتهم)، أن جمهورية الطائف حملت الرقم 3، لأن الأولى تأسست في 23 مايو/أيار 1926 ونصّ دستورها على النظام الديمقراطي البرلماني.

وبعد تعديل الدستور (9 نوفمبر/تشرين الثاني 1943)، تأسّست الجمهورية الثانية على أنقاض صلاحيات المفوض السامي الفرنسي، لتولد الجمهورية الثالثة من وثيقة الطائف التي عدّلت الدستور وأقرّه مجلس النواب معدّلاً في 21 أغسطس/آب 1990. ولأنه اتفاق بين بقايا برلمان عتيق منتخب (1972) خرجوا من البرلمان إلى الحرب أو إلى الخارج أو إلى الطائف ممثّلين لقادة الأحزاب المتذابحة التي أخرجت من الحرب فتسلّموا الجمهورية الثالثة الباقية منغّصة وممزقة بين الرافضين الكثر تزعمهم يومها الجنرال ميشال عون، وبين الذين أقرّوا دستور الطائف فأنكروه ونسوه، واعتبروه نتيجة لموازين القوى حافل بالحسنات والسيئات مثله مثل كل الاتفاقات. رفضوا المشاركة في الحكم على أساسه معتبرين «أن المشاركة في الحكم تصلح حتى من موقع المعارضة، ذلك هو عنوان الديمقراطية». ولأن روحية الطائف تعبر عن روحية جديدة تغييرية، فإنها أجهضت عندما فشل السياسيون العجزة التقليديون الذين أقرّوها من تطبيق نصوصه وجاراهم بعد ذلك أبناؤهم وأحفادهم الذين تعاقبوا ويتعاقبون في البرلمانات والوزارات، لكنهم لم يدركوا؛ بل لم يُظهروا للناس مظاهر التغيير الجذري الحاصل في الدستور الجديد إلا لماماً خلال تولي الرئيس رفيق الحريري رئاسة للحكومة.

وُلد الطائف صيغة بين الرئيس حسين الحسيني رئيس مجلس النواب السابق وسفيرة أمريكا إيرين كلاسبي والبطريرك مار نصرالله بطرس صفير. لم يطّلع النواب على مضمونها إلا عندما أعلن عنها الوزير إدمون رزق لتقوم قيامة النائب خاتشيك بابكيان وزملاؤه لجهلهم بالنص المستور ولينفرز على إثر ذلك الرافضون والقابلون قبل السفر المحفوف بالمخاطر إلى مدينة الطائف. كان صقور الدفاع عن الطائف مسيحيين وبالتحديد إدمون رزق وبطرس حرب وألبير منصور الذي نشر كتابه «الانقلاب على الطائف».

هكذا بقي دستور الجمهورية إذن خاضعاً لوجهات نظر واجتهادات متعددة داخلية وإقليمية وخارجية ظهر لبنان عبره وكأنه من دون داخل واحد له بقي اللبنانيون فيه وعبره عن الجمهورية الرابعة ويحلمون ب«جمهورية لبنان الواحد» الذي يجمع عشرات الأحزاب والتكتلات ومعظم دول الخارج.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد