: آخر تحديث

محمد بن سلمان والاستراتيجية المؤسسة على الكفاءة

27
22
33
مواضيع ذات صلة

أدرس هذه الأيام فترة تاريخية من تأسيس الدولة السعودية الثالثة (المملكة العربية السعودية) والتي تقع فيما بين عامي 1913 – 1950م كجزء من من دراسة تاريخية موسعة عن بدايات تأسيس الدولة السعودية الثالثة، الا أنه أثناء دراستي لتلك الفترة التاريخية (1913 - 1950م) - وهي فترة حساسة تتطلب حنكة وحكمة وصبراً وبصيرة وتصرفًا حكيمًا - توقفت طويلا عند نقطتين بارزتين أراهما - بعد توحيد الجزيرة العربية تحت قيادة واحدة - أهم خصائص الملك عبدالعزيز:

الأولى: مهارته الفائقة في اختيار وانتقاء الكفاءات والتقييم الدقيق والصائب لقدراتهم وإمكاناتهم وتجاربهم، فالملك عبدالعزيز يكن تقديرًا خاصًا للكفاءات والتجارب والقدرات البشرية المتعلمة، أمثال: الأمير أحمد بن ثنيان، والشيخ إبراهيم بن محمد بن معمر، والشيخ عبدالله الفضل، والدكتور عبدالله الدملوجي والشيخ عبدالله بن سليمان الحمدان، والشيخ يوسف ياسين، والشيخ بشير السعداوي، والشيخ حافظ وهبة، والشيخ حمزة غوث، وغيرهم فالذي يجمع بين تلك الكفاءات النادرة تكوينهم العلمي الرصين ونضجهم السياسي واطلاعهم الواسع على مختلف الثقافات ومهاراتهم وتجاربهم وتحدثهم لعدد من اللغات وكانوا في منتهى الوحدة والتجانس.

لقد أوجد الملك عبدالعزيز فريقًا من القياديين الملهمين الذين يمثلون رسالته ورؤيته وأهدافه ووضعهم في المواقع السياسية والاستراتيجية المناسبة لاختصاصاتهم وتجاربهم. فقد كان الملك عبدالعزيز ذا نهج حكيم في التعامل مع المواقف والظروف وكان يعطي الموقف والظرف حجمه الحقيقي ويقوم بشكل تكاملي بمعالجته، وهذه واحدة من أبرز صفات الملك عبدالعزيز، فالجزيرة العربية في تلك الفترة التاريخية (1913- 1950م) (تمر بوضع سياسي حساس؛ فالبريطانيون يراقبون بدقة وحذر تطلعات وطموحات الملك عبدالعزيز، والعثمانيون يرصدون تحركاته، والحربان العالميتان الأولى والثانية على مسافة قريبة منه) إلا أنه واجه تلك التحديات وتعامل معها بسعة أفق وحكمة وحنكة وبسالة وبعد نظر حتى تغلب عليها.

النقطة الثانية: برنامج الملك عبدالعزيز الاعتيادي (والذي يبدأ من بعد صلاة الفجر وحتى صلاة ظهر، ثم يستأنف من بعد صلاة العصر إلى صلاة المغرب، ثم يعقبها فترة لتناول العشاء وصلاة العشاء، ليواصل بعدها إلى منتصف الليل على مدار الأسبوع كله).

يصف محمد المانع تلك الفترة التاريخية والتي كان وقتها رئيس المترجمين في الشعبة السياسية في الديوان الملكي، مسجلاً ذكرياته في كتاب أسماه (توحيد المملكة العربية السعودية)، يقول: (كانت أيامي في ديوان الملك عبدالعزيز من أسعد أيام حياتي لقد تهيأت لي فرصة طيبة وحظ عظيم فاستطعت أن أخدم بلادي في وقت كانت تنهض فيه بسرعة من قرون كانت خلالها مجهولة مهملة، وكان كل زملائي في الديوان الملكي يشاركونني هذا الشعور وكنا جميعا متحدين في تفانينا وولائنا الثابت للملك عبدالعزيز، وكان كل واحد منا مستعدا أن يتبعه دون تردد إلى أقاصي المعمورة، كان ولاؤنا المشترك له يربط بيننا ويمنحنا معنويات عالية ورغبة في العمل الجماعي، فمن أجله كنا نعمل مسرورين ساعات طويلة، ونحتمل من السفر أوضاعاً لا يحتملها أي موظف يعمل من أجل المال، فقد كنا أسرة متحدة تحت أب عطوف حكيم).

هذه التجربة الفريدة (الكفاءات واليوم العملي الطويل) نعيشها اليوم مع الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - هذا الشاب الفذ المميز مهندس النهضة الحديثة وأحد العقول العالمية المفكرة تتملكه مهارات خاصة ومواهب فكرية عالية استطاع في أعوام قصيرة أن ينهض ببلد قارة ويضعها في واجهة العالم الحديث، فقد صنع محمد بن سلمان المستحيل بأن ضخ حيوية في المجتمع وأطلق المبادرات المبدعة والخلاقة وأحال المملكة إلى ورشة إبداع كبرى جعل الناس تبدع وتنتج وتنجح كما يفعل المبدعون في العالم.

كانت استراتيجية الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - مؤسسة على عقول الكفاءات وصناع التحولات الكبرى، فإحساس الأمير محمد بن سلمان بالزمن وسعة أفقه وحنكته وبعد نظره ومهارته في انتقاء الكفاءات العلمية والعملية أدخل المملكة طوراً حضارياً جديداً، فقد اجتاز بنا كل الصعوبات التي لا يحتمل رهبتها إلا من تشرب الشجاعة وفطر على البسالة وألهم الحكمة وعند ذلك قاد بلاده إلى المكان اللائق بها عالميًا، لقد أبان لنا أن كل ما كان يبدو لنا مستحيلًا أصبح اليوم ممكنا، فقد كان بين يديه منهج يستمد منه تصوره السليم والإيجابي للتغيير، وكانت لديه القدرة على ابتكار الأفكار الخلاقة، واستبصار الحقائق ومهارة صناعة التفوق فأحدث ظروفًا ملائمة للنقلات النوعية وأسس رؤية عصرية، مستقبلية، هذه النقلة النوعية السريعة حققت تمدنًا باهرًا، تجاوزت حجم الإنجاز إلى حجم الطموح، تخطت الواقع إلى المستقبل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد