الألماني هورست كولر.. فرصة لإحياء مفاوضات الصحراء المغربية
في ظل مقاربة الأمم المتحدة للحل في الصحراء المغربية، هل ستكون وساطة المبعوث الأممي الجديد هورست كولر صمام أمان ضد أي حرب محتملة هددت بها بوليساريو ولا تتحملها المنطقة؟
محمد بن امحمد العلوي
تم الحسم رسميا في قرار تعيين الرئيس الألماني الأسبق، هورست كولر، موفدا للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، بعدما أكد بلاغ السفارة الألمانية بالرباط، في 16 أغسطس الجاري، أن المبعوث الأممي الجديد إلى منطقة الصحراء سيتعاون مع جميع الأطراف للوصول إلى حل سياسي عادل، مستدام ويحظى بقبول الطرفين بخصوص قضية الصحراء.
ويأتي هذا التعيين في الوقت الذي فشل فيه المبعوث السابق كريستوفر روس في مهمته في إحياء المفاوضات بين المغرب وبوليساريو بشروط عادلة وموضوعية.
وسبق للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بتاريخ 2 يونيو 2017، أن أبلغ القرار لمجلس الأمن مؤكدا عدم اعتراض أي طرف من الأطراف المتدخلة في الملف على هذه الشخصية التي ستعمل على إحياء المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو.
ولا يخفى أن المبعوث الأممي الجديد يحظى بثقة بلاده ألمانيا التي أكدت حكومتها أنها تدعم بشدة وساطة الأمم المتحدة في قضية الصحراء. وسبق لمجلس الأمن أن دعا في أبريل الماضي إلى استئناف الجولة الخامسة من المفاوضات حول الصحراء، على أساس من الواقعية وروح التوافق لتحقيق تقدم في المفاوضات، إذ طلب من الدول المجـاورة تقديم مساهمة هامة في المفاوضات.
والواضح أن الدولتين اللتين يعنيهما مجلس الأمن هما الجزائر وموريتانيا، فكلاهما معنيتان بملف الصحراء على كافة المستويات الأمنية والسياسية والعسكرية، وباعتبار الجزائر رأس حربة في النزاع المفتعل وطرفا أصيلا في الأزمة بإيوائها ودعمها ماديا وسياسيا ولوجستيا لقيادة بوليساريو.
إن تمديد مهمة المينورسو إلى غاية 2018 دون تغيير مسؤوليتها المتمثلة في مراقبة وقف إطلاق النار بالصحراء، يعد فرصة سياسية داخل خطة هورست كولر لتأهيل الأطراف غير المستعدة للدخول في الجولة الخامسة من المفاوضات، مع استحضار ما حققته الدولة المغربية على الأرض حقوقيا واجتماعيا واقتصاديا وتنمويا.
وتماشيا مع دعوة مجلس الأمن مختلف الأطراف إلى التحلي بالإرادة السياسية والعمل في جو ملائم للحوار من أجل استئناف المفاوضات، يبقى المغرب الوحيد بين تلك الأطراف الذي استطاع تقديم مبادرة الحكم الذاتي التي وصفتها العديد من الدول بالواقعية والمصداقية.
بانسحاب المغرب من الشريط العازل بمنطقة الكركارات في مارس الماضي، يكون قد حقق أحد أهم شروط استئناف المفاوضات ألا وهو التعاون الإيجابي مع المساعي الهادفة لإحلال الأمن والاستقرار بالمنطقة حماية للممرات التجارية، باعتبار أن الكركارات طريق تجاري يربط الأسواق الأفـريقية مع الأوروبية عبر المغرب. فهل يمكن أن تنهج بوليساريو طريق الحوار؟
المعروف أن لغة التهديد ضد المغرب لم تفارق جبهة بوليساريو طيلة فترة مهمة كريستوفر روس ليعود إليها الاثنين 14 أغسطس الجاري، ما يسمى سفيرا للجبهة بالجزائر، بشرايا حمودي بيون، طالبا “المنتظـم الدولي بالضغـط على المغرب لتنظيم استفتاء حر لتقرير المصير أو أن القيادة الصحراوية قد تكون مجبرة على استعمال أساليب شرعية أخرى إذا تطلب الأمر”.
وفي ظل مقاربة الأمم المتحدة للحل في الصحراء المغربية، السؤال المطروح هل ستكون وساطة المبعوث الأممي الجديد هورست كولر بمثابة صمام أمان ضد أي حرب محتملة هددت بها بوليساريو ولا تتحملها المنطقة؟
الجواب حسمه التوافق بين القوى الدولية المؤثرة على شخصية أوروبية بخلفية سياسية ودبلوماسية وازنة، متأكدين أنه سيعمل على إقناع الأطراف المعنية بنقاط القوة التي سيستثمرها لتنظيم جولة جديدة من المفاوضات تختلف عن سابقاتها شكلا ومضمونا متزامنة مع التحولات الجارية في المحيط الإقليمي والدولي.
إن ترؤس هورست كولر البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية وعمله ضمن لجنة خاصة للبنك الأفريقي للتنمية، بمثابة مركز ثقل في معادلة العملية التفاوضية تعزز أولا مسار المغرب في خططه التنموية بالأقاليم الجنوبية ودعم الشركات الصغيرة والمتـوسطة لتقليص منسوب البطـالة. وتعمل ثانيا على تحقيق نقلة نوعية في خفض حدة التوتر بين دول المنطقة نحو درجات قابلة للسيطرة في بيئة جيوسياسية معقدة.
هذا التصور يتلاقى في العمق مع مشروع الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه كولر، بتقديم الجانب التنموي والاقتصادي ضمن تصورهما للمفاوضات المقبلة بين الأطراف المعنية، تجاوزا للفقر والتهميش وانعدام الحقوق والحريات التي تعيشها مخيمات تندوف حاليا.
يمكن فهم أهمية المفاوضات المرتقبة من خلال ثلاث نقاط أساسية.
أولا في ظل ولاية أمين عام جديد يجر خلفه سمعة جيدة سواء عندما كان رئيسا للوزراء بالبرتغال أو كمفوض سام لشؤون اللاجئين لمدة عشرة أعوام.
ثانيا تتزامن الجولة المقبلة مع عودة المغرب إلى مؤسسات الاتحاد الأفريقي وما تحمله من دلالات سيكون لها الوقع الكبير على تفاصيل المفاوضات والتحكم في مجرياتها.
ثالثا الدعم الكامل الذي قدمه مجلس الأمن للأمين العام ومبعوثه الشخصي من أجل التوصل إلى حل لقضية الصحراء المغربية.
الهدف من استبدال كريستوفر روس المبعوث السـابق بالألماني هورست كوهلر، هو أن التاريخ الشخصي والعملي لهذا الأخيـر يؤهلـه بحسابات السيـاسة ومعـادلات الدبلوماسية لقيادة مفاوضات يمكن أن تشكل اختراقا لتعقيد ملف الصحراء بعد سنوات من العبث الإرادي والمتحيز الذي مارسه كريستوفر روس في ملف الصحراء.
فالوسيط الأممي شغل منصب رئيس لألمانيا ما بين 2004 و2010، وقبلها رئيسا تنفيذيا لصندوق النقد الدولي خلال الفترة ما بين 2000 و2004، ومن المؤكد أن هذا التراكم في الخبرة والتجربة الميدانية سيفيد المبعـوث الجديد للتدقيق في مفـاهيم الاحتلال وتقرير المصير التي دأبت بوليساريو على استغلالها محاولة منها لتمرير أجندتها الانفصالية، وهي مفاهيم سيعيد الـوسيط الأممي تأصيلها بشكل جديد وواقعي استنباطا لحل أمثل ومتوافق عليه.
وبعدما أشـارت سفـارة ألمانيا بالمغرب إلى أن كولر “يحظى بتقدير الأمم المتحدة جراء التزامه بالقضايا التي تهم القارة الأفريقية” نستخلص أن هورست كولر سيستجيب لما أكد عليه مجلس الأمن بإحياء عملية المفاوضات دون شروط مسبقة وبحسن نية، وفي إطار دينامية جديدة وروح جديدة تقود نحو عملية سياسية بهدف التـوصل إلى حل سياسي مقبول من الأطراف.
تأتي المفاوضات المرتقبة مع التراجع المستمر لعدد الدول المعترفة ببوليساريو، وهذا نعتبره عنصرا ضاغطا لصالح الحل السياسي العادل لنزاع الصحراء المفتعل الممتد لأكثر من أربعة عقود.
بمعنى آخر، جولة المفاوضات المقبلة بين الأطراف المعنية لا بد أن تنحو باتجاه ما نصت عليـه المـادة 33 من ميثـاق الأمم المتحدة بوجوب اللجوء إلى طريقة الحل السلمي. ولا يتم ذلك إلا بناء على مرتكز السيـادة الوطنية التي يتمتـع بها المغرب على أقاليمه الجنوبية، وإبعاد أي محفز مسلح يهدد استقرار الأمن بالمنطقة التي تراقبها بعثة المينورسو منذ العام 1991.
كاتب مغربي