: آخر تحديث
على ضوء مستجدات مراجعة مدونة الأسرة بالمغرب

ندوة في الرباط تبحث إعمال نظام الكد والسعاية

6
4
5

إيلاف من الرباط : تعميقا للنقاش الجاري حول الإشكالات القانونية والفقهية التي تطرحها تحولات الأسرة المغربية، بتحدياتها وتطلعاتها، نظمت وزارة العدل المغربية الأربعاء بالرباط، ندوة دولية رفيعة المستوى تحت عنوان: "إعمال نظام الكد والسعاية على ضوء مستجدات مراجعة مدونة الأسرة"، وذلك في سياق تفعيل ورش إصلاح مدونة الأسرة، واعتمادا على مخرجات الندوة الدولية التي نظمتها وزارة العدل يوم الثلاثاء 15 أبريل الماضي حول "الاعتراف بالعمل المنزلي وتثمينه في حالات الطلاق: تجارب مقارنة". 

وتندرج هذه الندوة ضمن الدينامية الإصلاحية التي يشهدها المغرب ، والتي تهدف إلى تعزيز مبدأ العدالة والإنصاف داخل الأسرة، مع إيلاء عناية خاصة للمصلحة الفضلى للطفل، وكذا إغناء النقاش الوطني في إطار السيادة التشريعية والالتزام بالمبادئ الكونية لحقوق الإنسان، وتفعيل مبدأ الشراكة داخل الأسرة كفضاء يقوم على التكافل.

إنكبت الندوة على مناقشة الإشكالات المرتبطة بالمادة (49) من مدونة الأسرة، بما يضمن الإقرار بقيمة العمل المنزلي كعنصر من عناصر تنمية الثروة الأسرية، وإقرار التعويض عنه عند الانفصال تعزيزا للبعد الحمائي للمرأة، مع تدارس تجارب بعض الدول العربية لغاية تقاسم المعرفة والأفكار بخصوص آليات تثمين العمل المنزلي، وذلك وفقا للمحاور الموضوعاتية الآتية:
* نظام الكد والسعاية: تأصيل نظري وشرعي؛
* مبدأ الكد والسعاية في النظام القانوني المغربي؛
* الاعتراف بقيمة العمل المنزلي للمرأة في تشريعات الدول العربية؛
* الاعتراف بالعمل المنزلي للمرأة: خطوة نحو تأكيد مبادئ العدالة والإنصاف.

وقال وزير العدل  عبد اللطيف وهبي إنه " استنادا إلى مبادئ العدل والإنصاف، واستحضارا لتضحيات المرأة طوال الحياة الزوجية تبرز أهمية الاعتراف بالأعمال التي ساهمت من خلالها الزوجة، داخل المنزل أو خارجه في تنمية أموال الأسرة, ولاشك أن الاعتراف بالمجهودات التي تبذلها المرأة داخل البيت بما تحمله من أعباء جسيمة في سبيل تلبية احتياجات الأسرة، يستند بالأساس على إقرار العرف بحق الكد والسعاية وتطبيقه من لدن بعض المحاكم المغربية،فضلا عن بعض الاجتهادات القضائية التي كرست قواعد فقهية تثمن العمل المنزلي للمرأة باعتباره عملا منتجا يثبت معه حق تقدير مساهمتها في تنمية أموال الأسرة".

من جهته ، أشاد هشام بلاوي الوكيل العام لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة،بأهمية الموضوع معتبرا هذا اللقاء فرصة لتقاسم التجارب الفضلى، ووسيلة للاعتراف بمجهودات المرأة في سبيل تنمية أموال الأسرة، كما تطرق إلى التأصيل الفقهي لحق الكد والسعاية، معتبرا أن المذهب المالكي أقر حلولا فقهيه منذ قرون خلت وعرف هذا المبدأ في فتاواه التي تعود للقرن العاشر، كما أن العرف المغربي أصل لهذا الحق، معتبرا كذلك أن العمل القضائي نظر نوازل عديدة متعلقة به منذ أمد بعيد، مؤكدا أن القضاء يعتبر آلية مساهمة في مساندة الجانب التشريعي لتكريس الاعتراف بدور المرأة في تنمية أموال الآسرة والنهوض بوضعيتها الاقتصادية في إطار مبادى العدل والإنصاف وتمكين المرأة من حقوقها.

بدوره اشاد ،نهاد عبد اللطيف سفير مصر لدى الرباط ، بالعلاقات التاريخية المغربية - المصرية وبالتنسيق الكبير بين وزارتي العدل في كلال البلدين في مجالات متعددة متعلقة بالعدالة، معتبرا أن هذا الموضوع يكتسي راهنية وأهمية كبيرتين، مؤكدا في السياق ذاته أن مؤسسة الأزهر أقرت في فتواها هذا الحق منذ أزمنة بعيدة استنادا على مبادئ الشريعة الإسلامية وكتب الفقه وأقوال العلماء، مؤكدا أن بلاده بصدد مراجعة مدونة الأحوال الشخصية مع الأخذ بعين الاعتبار لهذا المبدأ، حفاظا على الذمة المالية المستقلة لكلا الزوجين ومراعاة لدور المرأة المهم في التنمية الاقتصادية للبلاد ومساهمتها في تنمية أموال الأسرة والرقي بوضعها المالي.

ايضا ، ألقى الشيخ الدكتور حسن صلاح الصغير، الأمين العام المساعد للشؤون العلمية والبحوث بمجمع البحوث الإسلامية، والمشرف العام على لجان الفتوى بالجامع الأزهر، مداخلة علمية باسم الأزهر الشريف، أبرز خلالها المقاربة الفقهية والاجتماعية التي اعتمدتها مصر في التعامل مع قضايا الكد والسعاية داخل الأسرة.

وعبّر الشيخ الصغير عن تقديره العميق للمبادرة المغربية الرائدة، واعتبر أن المغرب كان سبّاقًا، قديمًا وحديثًا، إلى تقنين حق الكد والسعاية في إطار مدونة الأسرة، استلهامًا من فتاوى فقهاء المالكية المغاربة منذ القرن العاشر الهجري.

وأوضح ممثل الأزهر الشريف أن قضية الكد والسعاية ليست حكرًا على العلاقة الزوجية فقط، بل تمتد لتشمل الإسهامات المالية والعملية التي يقدمها أفراد الأسرة كافة في تكوين الثروة العائلية، مشيرًا إلى أن العرف المصري في الريف والصعيد وحتى في المدن يشهد حالات عديدة من التعاون الاقتصادي داخل الأسرة، غالبًا ما تثير نزاعات قانونية بعد فترات طويلة من التفاهم والاستقرار.

في سياق ذلك ، أشار الشيخ الصغير إلى دعوة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب إلى ضرورة إحياء فقه الكد والسعاية، حمايةً لحقوق المرأة العاملة والمساهمة في تنمية الثروة الأسرية، وهو الموقف الذي جدّده الأزهر الشريف في مؤتمراته وبياناته الرسمية، من بينها مؤتمر التجديد في الفكر الإسلامي سنة 2020، وبيان مركز الفتوى في 2022.

وأكد الشيخ الصغير أن الكد والسعاية يمثلان حقًا مشروعًا لكل من أسهم في تنمية الثروة العائلية، سواء بالمال أو الجهد، ويجب أن يُقدر هذا الإسهام وفقًا لما تم بذله فعلًا، مع دعوة الأزواج إلى توثيق هذه الإسهامات بما يحقق العدالة والاستقرار.كما شدد على ضرورة التوازن في أي تدخل تشريعي مقترح، منبّهًا إلى خطورة تحويل العلاقات الأسرية القائمة على المودة والتكافل إلى معاملات تجارية بحتة قد تُفقدها بعدها الإنساني والروحي، مشيرًا إلى أن الاجتهاد التشريعي ينبغي أن يكون مرنًا، دقيقًا، ومتأنيًا، يراعي الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بين مختلف الأسر.
وخلص الشيخ الصغير  الى القول إن إنصاف المرأة لا ينبغي أن يُختزل في البعد الاقتصادي، بل لا بد أن يتكامل مع الأبعاد القيمية والروحية، والتي تمثل أساس التنمية المجتمعية المتوازنة.

وتأتي هذه المشاركة الرفيعة للأزهر الشريف في سياق انفتاح المملكة المغربية على التجارب المقارنة، وسعيها الدؤوب إلى بناء توافق فقهي وتشريعي بشأن مراجعة مدونة الأسرة، بما يضمن المساواة والعدل ويصون كرامة المرأة والأسرة في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية المعاصرة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار