إيلاف من الرباط: وصف رؤساء أربعة برلمانات من أميركا اللاتينية والكاريبي، المغرب بأنه "عاصمة عالمية للدبلوماسية البرلمانية"، معتبرين إياه فاعلًا محوريًا في دينامية التعاون البرلماني الدولي، ومركزًا لتقاطع المصالح الاستراتيجية في الجنوب العالمي.
جاء هذا الاعتراف خلال أشغال الدورة السادسة عشرة للجمعية البرلمانية الأورو-لاتينية "أورولات"، التي اختتمت اليوم الإثنين في العاصمة البيروفية ليما، بحضور وازن لممثلي برلمانات القارتين، وبمشاركة وفد مغربي رفيع المستوى برئاسة محمد ولد الرشيد، رئيس مجلس المستشارين.
وخلال جلسة عمل عقدت بمقر الكونغرس البيروفي، جمعت الوفد المغربي برؤساء كل من البرلمان الأنديني، وبرلمان أميركا اللاتينية والكاريبي، وبرلمان أميركا الوسطى، ونائب رئيس برلمان السوق المشتركة لأميركا الجنوبية، نوه هؤلاء المسؤولون بالزخم المتنامي للدبلوماسية البرلمانية المنبثقة من الرباط، معتبرين أن المغرب بات يشكل نموذجًا ناجحًا في ترسيخ التعاون جنوب-جنوب على أسس مؤسساتية منتظمة.
في سياق ذلك، أكد ولد الرشيد أن تطور العلاقات مع المجموعات البرلمانية اللاتينية لم يكن وليد لحظة ظرفية، بل هو ثمرة تراكم دبلوماسي حواري ومؤسساتي، تعزز من خلال منتديات كبرى نظمت بالمغرب، من قبيل منتدى مراكش البرلماني الاقتصادي، ومنتدى الحوار البرلماني جنوب-جنوب، اللذين ساهما في بناء جسور تواصل بين إفريقيا وأميركا اللاتينية.
وأضاف أن هذا التوجه يُجسّد أحد ملامح "العقيدة الدبلوماسية" التي يقودها ويرعاها الملك محمد السادس، والمبنية على الانفتاح، وتوسيع دائرة الحلفاء، وترسيخ الحضور المغربي في الساحات الإقليمية والدولية.
نضج دبلوماسي وتحول نوعي
من جهته، قال محمد زيدوح، رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية المغربية-الفرنسية بمجلس المستشارين، في تصريح لـ"إيلاف"، إن الدبلوماسية البرلمانية المغربية تعيش اليوم مرحلة نضج وتحول نوعي، متجاوزة الوظيفة البروتوكولية نحو أدوار استراتيجية، خاصة في الدفاع عن القضايا الوطنية وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية.
وأوضح أن المغرب اعتمد في هذه الدينامية على ما سماه بـ"التأثير الناعم وبناء الثقة مع الشركاء"، مبرزًا أن هذا النهج يندرج ضمن رؤية استباقية شاملة يقودها الملك محمد السادس في السياسة الخارجية، وتهدف إلى إعادة تشكيل التموقع المغربي داخل المنتديات الدولية.
وشدد زيدوح على أن الدبلوماسية البرلمانية ليست بديلاً عن الدبلوماسية الرسمية، بل هي امتداد حيوي ومكمّل لها، داعيًا إلى مأسسة هذه الأداة الدبلوماسية وتأهيلها معرفيًا وسياسيًا، حتى تصبح رافعة فاعلة للدفاع عن المصالح العليا للمملكة.
منصة للتأثير الناعم وبوابة للتحالفات الجديدة
خلال السنوات الأخيرة، تحولت الغرفة الثانية للبرلمان المغربي إلى منصة فاعلة للدبلوماسية البرلمانية الناعمة، وساهمت في توسيع دائرة الحضور المغربي داخل فضاءات جغرافية كانت إلى وقت قريب خارج مجال التأثير التقليدي للرباط، خاصة في أميركا اللاتينية والكاريبي.
ويعكس تنظيم المغرب لمنتديات كبرى بمشاركة برلمانات لاتينية مؤثرة، مثل منتدى مراكش البرلماني الاقتصادي، طموح الرباط للتحول إلى شريك استراتيجي لدول الجنوب الصاعد، ومركز تنسيق لمبادرات الحوار البرلماني بين القارات.
تقاطعات استراتيجية ومصالح مشتركة
في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية، تتجه دول أميركا اللاتينية إلى تنويع تحالفاتها خارج المدار الغربي التقليدي، بينما يسعى المغرب إلى توسيع قاعدته الدبلوماسية ليكون جسرًا للتواصل بين إفريقيا، وأوروبا، وأميركا الجنوبية. ومن هنا تبرز أهمية المنتدى الاقتصادي البرلماني المغربي-اللاتيني، كأداة لترجمة هذا التقارب إلى شراكات ملموسة.
ومع تزايد التحديات المشتركة مثل الأمن الغذائي، والهجرة، والتحول الطاقي،باتت الدبلوماسية البرلمانية أداة استراتيجية لتقريب السياسات وخلق أفق تعاون متعدد الأبعاد.