روما: تراجعت مكانة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في الأسابيع الأخيرة في الاتحاد الأوروبي، مع عجزها عن الفوز لبلادها بأي من المناصب المحورية في بروكسل، وبمواجهة صعود كتلة برلمانية أوروبية أكثر يمينية منها من أنصار السيادة الوطنية، بزعامة صديقها رئيس الوزراء المجري الشعبوي فيكتور أوربان.
غير أن زعيمة حزب "فراتيلي ديتاليا" (أخوّة إيطاليا، فاشيون جدد)، ما زالت تمسك بأوراق، بعدما عملت على مدى سنتين على اكتساب دور الشريكة البناءة في الاتحاد الأوروبي.
وسعت ميلوني، أكثر قادة إيطاليا يمينية منذ الحرب العالمية الثانية، منذ وصولها إلى السلطة في تشرين الأول (أكتوبر)، إلى بناء مكانة لنفسها كالشخصية الوحيدة القادرة على توحيد صفوف الأحزاب اليمينية الأوروبية.
غير أنها أبدت في الوقت نفسه براغماتية إذ كتمت مواقفها السابقة المشككة في المؤسسات الأوروبية، وساندت أوكرانيا رغم رأي عام منقسم بهذا الصدد في بلادها، وتعاونت مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، ما ساهم في طمأنة محاوريها.
غير أنها لم تلق استجابة إذ طالبت بالأخذ بصعود اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية التي جرت في حزيران (يونيو) في إيطاليا وفرنسا وألمانيا، عند توزيع المناصب الكبرى الأوروبية.
وبدل أن ينضم حليفها منذ زمن طويل فيكتور أوربان إلى كتلة "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين" التي ينتمي إليها حزبها في البرلمان الأوروبي، أنشأ رئيس الوزراء المجري كتلة جديدة تحت تسمية "الوطنيون من أجل أوروبا"، مع التجمع الوطني الفرنسي ونواب "فوكس" الإسباني الذين خرجوا من كتلة المحافظين والإصلاحيين، وحتى حزب الرابطة بزعامة نائبها على رأس الحكومة الإيطالية ماتيو سالفيني.
ورأت دانيال ألبيرتازي أستاذة السياسة في جامعة سوراي البريطانية "هذا بالتأكيد نبأ سيء لها، لا شك في ذلك".
وأضافت متحدثة لوكالة فرانس برس "إنه نبأ سيء من حيث الأرقام، لكنه نبأ سيء خصوصا لأنهم سلبوا منها الأضواء"، مشيرة إلى أن الوطنيين "قلبوا بالتأكيد جدول الأعمال خلال الأسبوعين الماضيين، نجحوا في جمع أحزاب كبرى".
رهان خاسر
وما زاد من تراجع موقع ميلوني نتائج حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في الانتخابات التشريعية الفرنسية حيث حل في المرتبة الثالثة، وفوز العماليين في الانتخابات في بريطانيا. وكتبت الصحافة الإيطالية أن ميلوني كانت تأمل في تعزيز زعامتها في أوروبا مع هزيمة أكبر للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الانتخابات التشريعية، غير أن ائتلافه جاء في نهاية المطاف في المرتبة الثانية.
ورأت صحيفة "لا ريبوبليكا" اليسارية أن "الرهان لم ينجح"، فيما كتبت صحيفة لا ستامبا أن أسبوع ميلوني "لم يكن جيدا بالتأكيد".
وظهر في ستراسبورغ الخميس منافس محتمل جديد لها مع تشكيل كتلة جديدة من اليمين المتطرف باسم "أوروبا الأمم السيادية" بزعامة حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف بعد تحقيقه أفضل نتائج له حتى الآن في الانتخابات الأوروبية.
وقد تساهم زيارة أوربان لموسكو الأسبوع الماضي، في خطوة ندد بها حلفاء أوكرانيا الغربيون، في تدهور علاقاته أكثر مع ميلوني التي سبق أن سجلت نقاطا في بروكسل بانتزاعها تنازلات من الزعيم المجري.
ومع تخلي أوربان عنها وحرمانها من دعم رئيس الوزراء البريطاني السابق المحافظ ريشي سوناك بعد هزيمته في الانتخابات التشريعية البريطانية، ترى آنا بونالومي المفكرة والمحللة السياسية أن ميلوني تظهر أنها "لم تحسن التمركز في موقع مريح في بروكسل".
وقالت إن "عجزها عن نسج علاقات مع الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي وغطرستها السياسية ساهما في إضعافها وعزلها مثلما نرى اليوم".
وبمواجهة هذه الضغوط، حاولت ميلوني التقليل من شأن نكساتها هذا الأسبوع، مشيرة على هامش قمة الحلف الأطلسي في واشنطن إلى أن إيطاليا لديها "حكومة متينة جدا في قارة أوروبية تعاني حكوماتها من انعدام استقرار كبير".
ولم تكن رئيسة ثالث أكبر قوة اقتصادية في أوروبا يوما تخشى الصعوبات، وهي تتحلى بالصبر والمثابرة، ولا تزال إلى اليوم تحظى داخل بلادها بشعبية يحسدها عليها العديد من نظرائها الأوروبيين.
وأوضحت دانيال ألبيرتازي "هذا يتوقف على الطريقة التي تخوض فيها اللعبة.
فظهور تشكيلات قومية في ستراسبورغ يعزز خطاب ميلوني التي بإمكانها التأكيد على أنها تمثل "اليمين الراديكالي المسؤول والمعتدل".
وإن فازت في نهاية المطاف بمنصب مهم لإيطاليا في المفوضية الأوروبية، فقد يصبح بإمكانها التأكيد على أن "هؤلاء يثيرون ضجيجا، لكنّني أنا من يأتي بتغييرات".