الدوحة: أفرجت كل من الولايات المتحدة وإيران عن خمسة معتقلين الاثنين في إطار عملية تبادل سجناء شملت تحويل أرصدة مجمّدة بقيمة ستة مليارات دولار إلى الجمهورية الإسلامية.
وبعد وصولهم من إيران إلى قطر، غادر الأميركيون الخمسة المفرج عنهم الدوحة باتّجاه واشنطن، وفق ما أفاد مصدر مطلع وكالة فرانس برس.
وقال المصدر شرط عدم الكشف عن هويته "غادر جميع الأميركيين الخمسة الذين كانوا معتقلين في إيران الدوحة باتّجاه واشنطن".
مكالمة مؤثرة
وأعلن وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن بأنه تحدّث معهم هاتفيا بعد وصولهم إلى قطر، واصفا المكالمة بأنها كانت "مؤثرة".
أشاد أحد المفرج عنهم بالرئيس الأميركي جو بايدن لمضيه قدما بالصفقة رغم التداعيات السياسية.
وأكد سياماك نمازي في بيان "أعرب عن امتناني العميق إلى الرئيس بايدن وإدارته للقرارات الصعبة التي اضطرا لاتخاذها" مضيفا "شكرا الرئيس بايدن لوضع حياة مواطنين أميركيين قبل السياسة".
ووصل اثنان من المعتقلين الإيرانيين إلى قطر، بحسب الإعلام الإيراني. وأما الثلاثة الآخرون، فاختاروا البقاء في الولايات المتحدة او في بلد ثالث، وفق ما أعلنت طهران.
اتفاق
ونص الاتفاق الذي أعلن عنه في العاشر من آب/أغسطس الماضي على أن تطلق إيران سراح خمسة أميركيين، فيما تفرج الولايات المتحدة عن خمسة سجناء إيرانيين، بوساطة من قطر.
كذلك، نص على الإفراج عن مبالغ قدرها ستة مليارات دولار جمّدتها كوريا الجنوبية بموجب العقوبات المفروضة على إيران وتحويلها إلى حسابات إيرانية.
ونفت واشنطن بأن بكون المبلغ بمثابة فدية، مشددة على أنه سيستخدم لأغراض إنسانية.
وأفاد مسؤول أميركي بأن الرئيس جو بايدن منح العفو للإيرانيين الخمسة الذين كانوا مسجونين أو ينتظرون المحاكمة بتهم ارتكاب جرائم "غير عنيفة".
وقال مسؤول أميركي كبير إن واشنطن فرضت عقوبات على وزارة الاستخبارات الايرانية والرئيس السابق محمود احمدي نجاد.
تفعيل حسابات بنوك إيرانية
قبل بدء عمليات التبادل، قال محافظ البنك المركزي الإيراني محمد رضا فرزين إنّ طهران تلقّت "رسالة رسمية من السلطات القطرية تشير إلى تفعيل حسابات ستة بنوك إيرانية"، مضيفا "تم اليوم إيداع ما يعادل 5,573,492,000 يورو في حسابات المصارف الإيرانية لدى مصرفين قطريين".
والأصول المفرج عنها من حسابات في سويسرا أموال مستحقة لإيران بموجب بيع نفط الى كوريا الجنوبية. لكنّ سيول جمّدتها مذ انسحبت الولايات المتحدة أحاديا عام 2018 من الاتفاق بشأن برنامج طهران النووي وأعادت فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية.
وأشار فرزين إلى أن هناك "دعوى من إيران ضد كوريا الجنوبية لعدم إتاحة الوصول إلى هذه الأموال وانخفاض قيمتها (...)، من أجل الحصول على تعويضات".
ويتزامن تطبيق الاتفاق مع الزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الى نيويورك للمشاركة في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة.
ومن المفرج عنهم رجل الأعمال سياماك نمازي الذي يمضي منذ العام 2016 عقوبة بالسجن عشر سنوات لإدانته بتهمة "التجسس" لحساب الولايات المتحدة.
وتشمل أيضًا قائمة المفرج عنهم رجل الأعمال عماد شرقي المدان بالسجن عشرة أعوام لإدانته بتهمة بالتجسس، ومراد طهباز الذي يحمل أيضا الجنسية البريطانية وحكم عليه بالسجن 10 أعوام أيضا بتهمة "التآمر مع الولايات المتحدة".
وهؤلاء الثلاثة يحملون الجنسية المزدوجة. الى ذلك، فضّل الاثنان الآخران عدم كشف هويتهما.
وأما من الجانب الإيراني، فتشمل قائمة المفرج عنهم كامبيز عطار كاشاني ورضا سرهنك بور المتهمين بمخالفة العقوبات الاقتصادية.
كذلك بين السجناء كاوه لطف الله أفراسيابي الذي أوقفته السلطات الأميركية في منزله قرب بوسطن العام 2021 واتهمته وزارة العدل بأنه عنصر تابع للحكومة الإيرانية.
واتهمت السلطات الأميركية اثنين آخرين من الموقوفين لديها واللذين أفرج عنهما بالارتباط بأجهزة الأمن الإيرانية، وهما مهرداد معين أنصاري وأمين حسن زاده.
وأكد القضاء الإيراني في آب/أغسطس 2022 أن الولايات المتحدة تحتجز "عشرات" الإيرانيين. ومعظم هؤلاء مزدوجو الجنسية ومتّهمون بمخالفة عقوبات واشنطن على طهران.
استخدام الأموال
تشدد إدارة بايدن على أنه يمكن لإيران استخدام هذه الأموال حصراً لشراء الأغذية والأدوية والسلع الانسانية الأخرى التي لا تشملها العقوبات الأميركية. إلا أن بعض المسؤولين في طهران ألمحوا الى عدم وجود قيود على إنفاق هذه الأرصدة.
لكن واشنطن حذّرت من أنها قد تعيد تجميد الأصول في حال استخدمتها طهران لغير الغايات الانسانية المحدّدة.
وسبق للطرفين أن أبرما اتفاقات لتبادل السجناء آخرها في حزيران/يونيو 2020 على رغم التوتر بينهما والخلافات بشأن ملفات متشعبة.
ورأى محللون أن الاتفاق الجديد الذي تم التوصل إليه بعد أشهر طويلة من المفاوضات في الكواليس، يؤذن بتخفيف حدة التوتر بين الخصمين وقد يفضي إلى مزيد من الجهود الهادئة للتعامل مع مخاوف منها ما يتعلق ببرنامج إيران النووي وتسارع وتيرته منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي لعام 2015.
الا أنهم استبعدوا أن يمهّد الاتفاق لتفاهمات أكبر خصوصا بشأن النووي، لاسيما مع اقتراب ولاية بايدن من نهايتها واستعداد واشنطن للدخول في أجواء الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
وفي هذا الصدد، أعربت الأمم المتحدة عن أملها في أن تساهم الصفقة في تخفيف التوتر بين واشنطن وطهران. وقال ستيفان دوجارك، الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، "نأمل إلى حد كبير بأن تؤدي إلى مزيد من التعاون وتخفيف التوتر".
إلا أن بايدن سرعان ما تعهّد "الاستمرار في فرض عقوبات على إيران بسبب أعمالها الاستفزازية في المنطقة".
ويأتي اتفاق تبادل السجناء والافراج عن الأصول بعد زهاء عام من انهيار مباحثات هدفت لإحياء الاتفاق النووي.
الأنشطة النووية
وأتاح الاتفاق بين إيران والقوى الكبرى تقييد الأنشطة النووية للجمهورية الإسلامية في مقابل رفع عقوبات اقتصادية عنها. لكن واشنطن انسحبت أحاديا منه في 2018 وأعادت فرض العقوبات، ما دفع طهران للتراجع تدريجا عن التزاماتها النووية، خصوصا في مجال تخصيب اليورانيوم.
وأجرت إيران والقوى الكبرى، بتسهيل من الاتحاد الأوروبي ومشاركة الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، مباحثات اعتبارا من نيسان/أبريل 2021 لإحياء الاتفاق، من دون أن تؤدي الى نتيجة.