مؤخرا، صدرت في باريس ترجمة لكتاب الروسي فلاديمير فيدوروفسكي: "سورج، جاسوس إلى الأبد". وهو يحتوي على تفاصيل جديدة عن حياة ومسار الجاسوس الروسي الشهير ريتشارد سورج الذي ما يزال يشغل كبار المهتمين بالجوسسة على المستوى العالمي.
وقد ولد ريتشارد سورج قرب باكو عاصمة أذرابيدجان في عام1895. وكان في الثالثة من عمره لما انتقلت عائلته للإقامة في ألمانيا. وكان خاله سكرتيرا لكارل ماركس. وخلال الحرب الكونية الأولى، تطوع ليقاتل على عدة جبهات.
وفي عام1916، أصيب بجروح بليغة أجبرته على البقاء في المستشفى أشهرا طويلة انشغل خلالها بقراءة مؤلفات ماركس ولينين.
وبعد نهاية الحرب، انتسب إلى جامعة برلين وكيل وهامبورغ ليحرز في النهاية على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية.
وبعد تخرجه، عمل صحافيا، وأستاذا في الجامعة إلاّ أنه فُصِلَ من عمله بعد انخراطه في الحزب الشيوعي الألماني. عندئذ سافر إلى موسكو ليصبح عضوا بارزا في "الكومبينتارن".
وخلال فترة جمهورية "فايمار" القصيرة، عاد إلى ألمانيا لينشغل هذه المرة بجمع معلومات سرية عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وارسالها إلى موسكو.
ومن ألمانيا انطلق إلى شانغاي الصينية بهدف تفجير ثورة هناك، لكنه سرعان ما عاد إلى موسكو ليتلقى أوامر جديدة من البلاشفة.
وبعد صعود النازيين إلى الحكم في عام1933، قدّم لموسكو معلومات مهمة عن خفايا الحياة السياسية في ألمانيا، وعن هيتلر ورجالاته.
وفي عام1935، انتقل للإقامة في اليابان. وفي العاصمة طوكيو، ارتبط بعلاقات وثيقة مع جواسيس يابانيين ومع مثقفين وكتاب وأكاديميين، وأيضا مع زوجات سفراء غربيين بينهم زوجة السفير الألماني التي كانت إحدى عشيقاته.
وجميع هؤلاء حرصوا خلال الحرب العالمية الثانية على مدّه بمعلومات خطيرة عن تحركات الجيش الياباني، وعن علاقة طوكيو ببرلين. إلاّ أن السلطات اليابانية اكتشفت أوكاره فحكمت عليه بالإعدام شنقا في السابع من شهر ديسمبر-كانون الأول1944.
ويقول فلاديمير فيدوروفسكي بإن ريتشارد سورج الذي كان يعمل لصالح الكرملين حتى اللحظة الأخيرة من حياته، استطاع في أكثر من مرة أن يلعب أدوارا مهمة للغاية على المستوى التاريخي. وبذكائه تمكن من أن يتلاعب بالنازيين وبالأميركان، وباليابانيين، وبستالين نفسه.
وبفضل المعلومة الخطيرة إلى أرسلها من طوكيو إلى ستالين عام1941. استطاع أن ينقذ موسكو من الهجوم الذي شنه النازيون آنذاك، والذي أوصل جيشهم بالقرب من أبواب الكرملين.
وهو الذي دفع اليابانيين إلى خوض الحرب لا ضد روسيا، بل ضد الولايات المتحدة الأميركية. لذلك يمكن القول أن ريتشارد سورج هو واحد من أكبر الجواسيس في القرن العشرين. ومساره فتن الكثيرين من كتاب الرواية، ومن المخرجين السينمائيين، ومن المؤرخين المتخصصين في تاريخ القرن العشرين.
وقد يكون ايان فليمينغ استوحى منه شخصية جيمس بوند. وهو ليس كائنا أسطوريا فقط، وإنما هو أيضا مفكر قدير يتمتع بثقافة فلسفية وسياسية واسعة وعميقة.