إيلاف من الرباط: قال عبد اللطيف وهبي وزير العدل والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة المغربي مساء الثلاثاء، في مدينة سلا المجاورة للرباط ، إنه لن يدخل المجتمع المغربي في خلافات وصراعات قد تخالف المصلحة، مؤكدا ثقته في أن التوجه العام الآن هو الاجتهاد في عدد من القضايا التي جاءت فيها نصوص قطعية، من قبيل "الإرث".
نبيل بن عبد الله امين عام حزب التقدم والاشتراكية في مقدمة الحضور
وشدد وهبي، الذي كان يحدث في لقاء فكري استضافته مؤسسة الفقيه التطواني حول موضوع "لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله بين الدلالة الشرعية والتوظيف الإيديولوجي"، على أنه لا يوجد مانع للاجتهاد في المجال الديني، الذي قال عنه إنه ليس حكرا على أي كان.
انطلق اللقاء بكلمة تقديمية ألقاها بوبكر الفقيه التطواني رئيس مؤسسة الفقيه التطواني،الذي قال إن موضوع اللقاء يوحي في المقطع الأول منه إلى منطوق ملكي تؤطره نصوص قرآنية قطعية فيما يكتسي المقطع الثاني طابعا سجاليا. وشدد على أن الهدف من اللقاء يتمثل في مناقشة الشأن العمومي بعقل منفتح، مع استبعاد أن القضايا الكبرى للبلاد محسومة حتى قبل أن تطرح للتفكير.
قال وهبي، في بداية مداخلته :"إننا يجب أن نحب هذا الوطن، أن نناقش وأن نعبر عن رأينا، وأن تكون لنا قراءات نقدية لكل شيء". وزاد قائلا :"إن الأوطان تتطور حينما يكون هناك نقاش جدي وموضوعي يساهم في بناء أفكار وتصورات تساعد على تطور المجتمع والبلد".
وأضاف وهبي أن الاحترام الواجب للملك "يقتضي منا كسياسييين وكمفكرين وكباحثين حقوقيين أو كفاعلين مدنيين ألا نتعامل مع خطبه وتوجيهاته بنوع من الانتقائية السياسية أو لتصفية حسابات سياسية ضيقة، سياسوية أو فكرية صغيرة". وقال إن الملك "يخاطب الأمة بصفته أميرا للمؤمنين، وبذلك فخطبه وتوجيهاته تكمل بعضها البعض، وتسعى نحو الأفق المطلق، وليس إلى الجزئيات، كما أن لخطب الملوك دلالة كلية لما يأمرون به، لذلك لا تقحم خطبهم وتوجيهاتهم ضمن تلك المنازعات الضيقة التي يسعى إليها الذين لا تهمهم سوى المكاسب السياسية الصغيرة".
وشدد وهبي على أن الإجماع حول الملك "يقتضي منا كثيرا من الاحترام والتواضع والترفع عن التوظيف والاستغلال المقيت لبعض الكلمات لتحقيق انتصارات وهمية"، لأن الإجماع حول الملك، يضيف وهبي، "يجعل المغاربة يتفهمون مقاصده وأهدافه"، ولذلك "لا يمكن أن يزايد عليهم أو يغلطهم أيا كان".
وتحدث وهبي،عن مبدأ الشرعية كأساس لمشروعية الحكم. وقال إن هذا المبدأ يمثل ركنا أساسيا في التأسيس لمشروعية الحكم في البلاد، حيث أن "ولي الأمر يعاقد ويعاهد الأمة على الالتزام بأحكام الشريعة الكلية ومقاصدها ويصون مبادئ الدين ويحكم بالحق والعدل ويكفل الحقوق والحريات، وفي المقابل تلتزم الجماعة بطاعته وتتعهد بنصرته في كل ما من شأنه أن يحمي مصالح الأمة ويدافع عن حقوقها الجماعية والفردية وكرامتها ووحدتها".
وعاد وهبي إلى مضامين مداخلته التي ألقاها يوم 11 أبريل الجاري بالرباط، خلال اللقاء الفكري الرمضاني الذي نظمه مركز "الحوار العمومي والدراسات المعاصرة"، في موضوع "الحريات الفردية بين القيم الكونية والثوابت الوطنية". وهي المداخلة التي خلص فيها إلى أن مبدأ الشرعية المتمثل في قول الملك: "لا يمكنني بصفتي أميرا للمؤمنين أن أحلّ ما حرم الله وأحرم ما أحلّه" إنما "يؤكد صلاحياته الدستورية كسلطة تحكيمية شرعية عليا تدرأ الخلاف بين مكونات الأمة"،مشيرا إلى أن "التحكيم لا يكون بداهة إلّا بالتوفيق والتشاور والاجتهاد سعيا لما فيه المصلحة:أينما كانت المصلحة فتم شرع الله، أينما كان العدل فتم شرع الله". لذلك كله، يقول وهبي، ف"المطلوب من الحقل الديني مواصلة التجديد بالمعنى الحقيقي للكلمة، والاجتهاد بكل معانيه، إخلاصا لروح الإسلام، وخدمة لمصلحة الوطن".
واستحضر وهبي عددا من الآراء والأسماء التي خاضت في الموضوع في العصر الحديث،في علاقة بمعطى (حق الحاكم في تقييد المباح)،وتوقيف العمل بكثير من الأحكام الشرعية القطعية لانتفاء شروط تطبيقها،حيث يترتب على الالتزام الحرفي بها نقيض المقاصد والآثار المستهدفة.
وميز وهبي بين العبادة والمعاملات، وقال إن المرجع في العبادات هو النقل، إذ لا مجال للعقل في تحديد عدد الصلوات أو شهر الصيام أو مكان الحج، أما المعاملات فالأصل فيها سلطة المصلحة والعقل. وزاد أن العبادات غرضها الروح وأسسها غيبية لا يدركها العقل، وقد يدرك جزءا منها دون إدراك كل مقاصدها، والنص من يكشف عن ذلك ويحجبه بعيدا عن أي بعد منطقي أو عقلاني. أما أحكام المعاملات، يضيف وهبي،فليست غيبية ولا روحية، وإنما أساسها العقل والصالح العام أو الخاص،فكل ما كان منها منسجما مع المصلحة العامة للمجتمع العقلاني فهو حلال،وما كان منها مصادما للمصلحة العامة ومضرا بها فهو الحرام،بغض النظر عن النصوص الجزئية التي وردت في هذه الأبواب لارتباطها بسياقها التاريخي والثقافي ومناطها المختلف باختلاف الأزمان والأماكن، من منطلق أن ارتباطها إنما هو بالقيم المنشئة لها،وبالتالي ليست أحكاما لازمة لكل المجتمعات ولكل الفترات الزمنية.
وخلاصة الموضوع،يضيف وهبي،أن المعاملات هي مجال الإبداع البشري واستخدام العقل لما فيه تحقيق المصلحة مع مراعاة القيم العامة التي جاءت بها الشريعة وتغير هذه المصالح بتغير الأزمان،مع استحضار كل النصوص القرآنية التي تحث على النظر والتفكر والتعقل.
ورأى وهبي أن المباح لا يحتاج إلى دليل،فهو حلال بحكم الاستصحاب والبراءة الاصلية،فيما يحتاج الحرام إلى إثبات الضرر وضياع المصلحة.وأضاف أن ما كان من توسيع دائرة الحرام في القرون المتأخرة إلا لجهل بمقاصد الشريعة القائمة على التيسير ورفع الحرج والجهل بنصوص وآراء أخرى مخالفة للمشهور من الأقوال. وزاد وهبي قائلا ،في هذا السياق،إن دائرة الحرام توسعت وصارت أصلا فيما كان الأولى توسيع دائرة الحلال،رفعا لكل حرج وتيسيرا على الأمة.
وخلص وهبي الى القول إنه إذا تعذر اتفاق العلماء على رأي واحد، فإن لولي الأمر الحق في الترجيح بين الاجتهادات تفعيلا للاجتهاد وسدا للذرائع في المستجدات والنوازل، وبوجه خاص القضايا ذات الصلة بالثوابت المرجعية حفظا لمصالح الأمة والأفراد ومختلف مكونات المجتمع، من منطلق أن (تصرف الإمام في الأمة منوط بالمصلحة).