: آخر تحديث

تفوق دولة نامية على بلد صناعي.. إندونيسيا وأستراليا مثالاً

23
22
19
مواضيع ذات صلة

بداية لا بد من التنويه إلى أن التفوق المشار إليه في عنوان المقال يختص بحقل واحد هو صناعة مكونات السيارات الكهربائية التي تبدو أنها صناعة المستقبل في ظل اهتمام دول العالم بالبيئة، وبالتالي سعيها إلى إحلال السيارات الكهربائية تدريجياً مكان المركبات التقليدية الميكانيكية المتسببة بالانبعاثات الكربونية الضارة. والمعروف أن الأمر يتطلب استبدال المحرك الأصلي للمركبة بمحرك كهربائي مع المحافظة على المكونات الأخرى، وهذا بدوره يستدعي توفير بطاريات يعاد شحنها بالكهرباء وتكون خفيفة وأسعارها في متناول اليد، بديلاً عن بطاريات الليثيوم الثقيلة مرتفعة الثمن التي تستخدم منذ عام 2009 في السيارات الكهربائية الصغيرة.

جملة القول إن مصانع سيارات عديدة في العالم باتت تتنافس اليوم على تلبية هذه المواصفات وتطوير ما يمكن تطويره، ولا سيما لجهة المسافة التي تقطعها السيارة الكهربائية دون إعادة شحن بطاريتها مع خفض مدة الشحن إلى أقصى حد.

وحينما نبحث عن إنتاج مثل هذه المركبات في آسيا نجد أن أستراليا، التي تعتبر نفسها دولة آسيوية، تمتلك كافة مكونات إقامة صناعة السيارات الكهربائية، فهي مثلاً تملك احتياطات ضخمة من المكونات الخمسة المطلوبة في هذه الصناعة (النيكل والليثيوم والمنغنيز والكوبالت والجرافيت)، كما أنها تتمتع ببنية تحتية صناعية قوية وقوى عاملة ماهرة وخيارات الطاقة المتجددة. فلماذا يلاحظ تخلفها في هذا المجال مقارنة بجارتها الإندونيسية الأقل إمكانيات والأضعف اقتصاداً، والتي تعد دولة نامية مكبلة بمشاكل لا حصر لها؟

الذين حاولوا الإجابة عن هذا السؤال، وجدوا أن الحكومة الأسترالية السابقة بقيادة سكوت موريسون ظلت طوال فترة وجودها في السلطة معادية للمركبات الكهربائية ومسألة التحول من وقود البنزين إلى الكهرباء، بل لم تتعاط بجدية مع موضوع وضع حد أدنى من معايير كفاءة الوقود وفرض ضرائب استيراد مرتفعة. هذا ناهيك عن عامل آخر يتمثل في ارتفاع تكاليف العمالة في أستراليا. ومن ناحية أخرى راحت أستراليا تبيع بعض مكونات هذه الصناعة، ولا سيما مكونات بطارياتها إلى الخارج دون قيود، في الوقت الذي أقرت فيه جاكرتا قانوناً جديداً للتعدين عام 2014 يقيد تصدير معادن البلاد الخام (تحديداً احتياطياتها الضخمة من معدن النيكل) بدعوى ضرورة تصنيعها داخلياً بمساعدة دول صديقة؛ لأن العائدات حينئذ ستكون أكبر بكثير مما لو تمّ تصديرها إلى الخارج.

وهكذا، حينما شهد العالم ولادة عصر السيارات الكهربائية وارتفاع مبيعاتها في أوروبا، كانت الاستثمارات الصينية والكورية الجنوبية جاهزة للقدوم إلى إندونيسيا، ما سمح للرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، ومستشاريه الاقتصاديين أن يتبنوا فكرة تحويل أرخبيلهم إلى قوة طليعية في ثورة السيارات الكهربائية على المستوى الآسيوي على الأقل، وذلك باستخدام خامات وعمالة محلية وأموال وتقنيات أجنبية، بينما لم تتخذ الحكومة الأسترالية أي خطوة إلى الأمام على هذا الصعيد.

والجدير بالذكر في هذا السياق أن ويدودو جوبه بمعارضة ومخاوف من لدن بعض المنظمات والأحزاب المحلية لارتماء البلاد في أحضان المستثمرين الصينيين في هذا المجال وغيره، لكن ما حدث أن الساعد الأيمن للرئيس وكبير وزرائه لشؤون الاستثمار الجنرال السابق لوهوت بانجايتان، أقنع رئيسه بالمضي قدماً في الخطة دون التفات إلى مخاوف وقلق المعارضين، قائلاً في تصريح شهير له: «لقد دعونا الجميع ولم يأت أحد غير الصينيين، وهم موضع ترحيب ويمكن التعامل معهم بسهولة ومرونة». في المقابل ــ وكما جادل المفكر الأسترالي المعروف دونالد هورن، ذات يوم ــ بأن أستراليا مثقلة بزعامة سياسية مترددة وعديمة الإبداع وقليلة المبادرات من الدرجة الثانية، بل لا تؤمن بأن دور الدولة هو أن تأخذ زمام المبادرة في الأعمال.

وكنتيجة لهذا الاختلاف بين القيادتين الإندونيسية والأسترالية لجهة سرعة المبادرة والتقاط الفرصة، قرأت في الصحافة الآسيوية مؤخراً ما يفيد بأن الأستراليين سوف يستيقظون قريباً على ثمرة المبادرة الإندونيسية ممثلة في أول مصنع لبطاريات السيارات الكهربائية في جنوب شرق آسيا. والمصنع، هو مشروع مشترك بقيمة 1.1 مليار دولار بين مجموعة «إل جي» وشركة «بوسكو» الكوريتين الجنوبيتين، و«هوايو» القابضة الصينية، وكونسورتيوم «إندستري باتيراي» الإندونيسية المملوك للدولة. ومن المقرر أن يبدأ المصنع إنتاج بطاريات لمصنع أقامته شركة هيونداي الكورية الجنوبية بالقرب من جاكرتا لتجميع السيارات الكهربائية بتكلفة 1.5 مليار دولار.

والحقيقة أن هذا المصنع لن يكون المصنع الوحيد من نوعه في إندونيسيا. ذلك أن شركات مركبات أخرى يابانية وألمانية اتفقت مع عمالقة صناعة البطاريات في الصين على بناء مصانع أخرى للسيارات الكهربائية داخل إندونيسيا. ولعل ما يشجعها ليس العمالة الرخيصة فحسب، وإنما أيضاً توفر خام النيكل ومراكز لمعالجته (تعد إندونيسيا أكبر دولة منتجة للنيكل في العالم، ففي العام الماضي أنتجت 950 ألف طن أو 35 % من الإنتاج العالمي).


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.