التصعيد ما زال مستمرا في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، والعالم يترقب بقلق شديد تبعات هذا التصعيد وآثاره في العالم بأسره التي عبرت الحدود إلى أبعد مما توقع البعض، ويلمس العالم آثارها الاقتصادية في كثير من الأنشطة، وعلى رأسها بلا شك قطاع الطاقة. لا يخفى على أحد - في اعتقادي - أنه عند الحديث عن أمن الطاقة العالمي، لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوز روسيا، كونها ثاني منتج للنفط الخام في العالم بنحو 11 مليون برميل يوميا، وبصادرات تبلغ نحو سبعة ملايين برميل يوميا. في قطاع الغاز، لا يمكن تجاهل روسيا كذلك كونها أكبر مصدري الغاز في العالم بما يقارب 238.1 مليار متر مكعب، بفارق كبير عن أقرب منافسيها الولايات المتحدة، التي تحل في المرتبة الثانية بنحو 137.5 مليار متر مكعب. فيما يخص النفط الروسي، فأرى أن هناك سعيا حثيثا وجادا من بعض دول أوروبا لحظر صادراته، وإن كان هناك تباين واضح من الدول حول التعاطي مع هذا التوجه.
هذا التباين ليس مستغربا، فاعتماد دول أوروبا على النفط والغاز الروسي متباين كذلك، فليس مستغربا أن الدول الأقل اعتمادا على شرايين الطاقة الروسية هي الأكثر شراسة في المطالبة بإنزال أشد العقوبات الاقتصادية على روسيا، وفي مقدمتها حظر صادراتها النفطية. وفي المقابل، الدول الأشد حاجة إلى منتجات الطاقة الروسية تسعى جاهدة للتملص من هكذا قرارات وتبعاتها الاقتصادية التي لا تتحملها. خريطة النفط الروسية قد توضح التباين السابق، فنحو 60 في المائة من صادرات النفط الروسية يتوجه إلى الدول الأوروبية، وتستورد ألمانيا من النفط الروسي نحو 800 ألف برميل يوميا، ما يعادل 30 في المائة من استهلاكها. هولندا تستورد نحو 750 ألف برميل يوميا من النفط الروسي، الذي يشكل نحو 22 في المائة من احتياجها، وبولندا تستهلك نحو 500 ألف برميل يوميا من النفط الروسي الذي يشكل 58 في المائة من احتياجها.
الجدير بالذكر أن دولة مثل فنلندا يشكل النفط الروسي أكثر من 80 في المائة من استهلاكها، وهذه نسبة كبيرة توضح مدى الاعتماد شبه المطلق لفنلندا على شرايين الطاقة الروسية رغم أن الكمية ليست كبيرة، حيث تقارب 250 ألف برميل يوميا. من الدول الأقل اعتمادا على روافد الطاقة الروسية هي بريطانيا التي تستورد نحو 170 ألف برميل يوميا من النفط الروسي، لا تمثل إلا 11 في المائة من احتياجها فقط. هناك من يتوقع أنه وبسبب التصعيد الحاد من الجانب الأوروبي ضد روسيا والتوجه نحو حظر صادراتها النفطية، إلا أن روسيا تمتلك ورقة رابحة قد تعصف باقتصاد أوروبا على المدى القصير في أقل تقدير، الغاز الروسي بالغ الأهمية لأوروبا، حيث إن إمدادات الغاز الروسية عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1" وخط أنابيب "يامال" تشكل 40 في المائة من استهلاك أوروبا للغاز، حيث يشكل الغاز الروسي نحو 12 في المائة من استهلاك كل من إيطاليا وهولندا، بينما لا يشكل الغاز الروسي إلا نحو 5 في المائة فقط من حاجتها.
والسؤال المطروح هنا: هل من الممكن أن تستخدم روسيا هذه الورقة؟ ومن المتضرر الأكبر بينهما في حال تم ذلك؟ نجيب عن هذين السؤالين في المقال المقبل بإذن الله تعالى.
هل تستخدم موسكو ورقة الغاز؟
مواضيع ذات صلة