إيلاف من بيروت: باتت قضية تنحية المحقق العدلي في انفجار الرابع من أغسطس القاضي طارق بيطار الموضوع الثابت في كل إطلالات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
فكما في كل تصريحاته الإعلامية الأخيرة، خصص نصر الله جزءاً كبيراً من خطابه الأخير لانتقاد التحقيقات التي يجريها بيطار متهماً إياه بتسييس الملف واعتبر أن "بيطار يعمل في السياسة والاستهداف السياسي، ولا يريد أن يصل إلى الحقيقة". وفي تهديد مباشر توعد نصر الله "بكارثة كبيرة سيذهب إليها البلد، إن أكمل القاضي بهذه الطريقة"، وفقًا لتقرير مفصل نشره موقع "إندبندنت عربية".
نصر الله وفي عرض مفصل لما اعتبره خطوات استنسابية للقاضي بيطار، اتهم المحقق العدلي بأنه يعمل من أجل خدمة مشروع لا يهدف إلى كشف الحقيقة وتحقيق العدالة، وسأل في هذا السياق عن عدم شمول التحقيقات الرئيس ميشال عون وقبله الرئيس ميشال سليمان، ولماذا اقتصر الادعاء على رئيس الحكومة السابق حسان دياب وحده، وليس رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على رئاسة الحكومة منذ دخول النيترات إلى المرفأ عام 2013، قاصداً بذلك الرؤساء نجيب ميقاتي وتمام سلام وسعد الحريري.
وبحسب "إندبندنت عربية"، لم يكن قد مضى على كلام نصر الله سوى ساعات قليلة حتى أصدر القاضي بيطار مذكرة توقيف بحق المدعى عليه النائب علي حسن خليل بعدما امتنع الأخير عن حضور جلسة استجوابه المقررة، اليوم الثلاثاء، فشكلت خطوة بيطار تعبيراً واضحاً وصريحاً عن عدم تأثره بتهديدات نصر الله وانتقاداته، ما تمكن من إصدارها قبل كف يده مجدداً بعدما كان تقدم، أمس الإثنين، حسن خليل وزعيتر أمام القاضي ناجي عيد لدى محكمة التمييز بطلب رده من ملف انفجار المرفأ، مع ما يعني ذلك من تعطيل جديد للتحقيقات ولو مؤقت بانتظار البت بطلب الرد.
جعجع: "حزب الله" لا يريد الوصول اإلى الحقيقة
يقول رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع لـ"اندبندنت عربية"، "كلام نصر الله غير مقبول لا شكلاً ولا مضموناً، من غير المقبول أن يتكلم أي سياسي فوق التحقيق الجاري وفي جريمة مثل جريمة المرفأ".
ويسأل هل "اطلع السيد حسن على التحقيقات وآلاف الصفحات التي يتضمنها الملف لتوجيه كل هذه الاتهامات، وكيف يسمح لنفسه بإبداء رأي في آلاف الأوراق، وهل هو واثق في أن كل هذه الأوراق لا تتضمن معلومات عن ملكية الباخرة وكيف دخلت المرفأ وبحماية من؟".
ويقول جعجع "كان يمكن أن أتفهم موقف نصرالله لو كان صدر القرار الظني وتضمن مغالطات كالتي يتحدث عنها، لكن أن ينتقد التحقيق قبل معرفة مضمونه كما فعل منذ حوالى 3 أشهر ولا يزال يعني أن حزب الله لا يريد التحقيق من أصله، أو على الأقل يريده شكلياً حتى لا يصل القضاء إلى الحقيقة كما فعل في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري".
وعن اتهام نصر الله لبيطار بالاستنسابية لعدم استجوابه رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس السابق ميشال سليمان واقتصار الادعاء على رئيس الحكومة السابق حسان دياب وحده بحيث لم تتوسع الادعاءات لتشمل رؤساء الحكومات السابقين، يسأل جعجع "كيف يمكن أن نعرف أسباب القاضي بيطار والوثائق التي استند إليها في توجيه الادعاءات قبل أن يصدر القرار الظني"، مذكراً أن عون وسليمان أعلنا مراراً استعدادهما للمثول أمام المحقق العدلي"، مذكراً بأن القوات اللبنانية تعتبر ألا حصانة على أحد في ملف كبير مثل ملف انفجار المرفأ بدءاً من رئيس الجمهورية وصولاً إلى أصغر موظف في الدولة.
"طفشوا صوان، واليوم يريدون تطفيش بيطار"، يقول رئيس حزب القوات اللبنانية، ورداً على سؤال اعتبر جعجع أن "حزب الله غير راضٍ عن المحقق العدلي ومحكمة الاستئناف ومحكمة التمييز ومجلس القضاء الأعلى لا يعجبه، يعني كل القضاء في نظره غير مقبول، إلا إذا كان طيعاً بين يديه".
وهذا الأمر بحسب جعجع، بات واضحاً، معتبراً أن هذا الأداء يدل على مسؤولية ما لـ"حزب الله" في الانفجار. وعن طبيعة الكارثة التي سيعيشها لبنان، والتي حذر منها نصر الله إذا أكمل بيطار بهذه الطريقة، يسأل جعجع: هل قصد السيد حسن أن ظهور الحقيقة سيؤدي إلى كارثة كبيرة، أليست الكارثة في أن يبقى المسؤول ومرتكب هذه الجريمة مجهولاً؟
أين عون وميقاتي ووزير العدل من تهديدات نصر الله؟
لا يعتبر جعجع أن بيطار يعمل بالسياسة والاستهداف السياسي، وبأنه لا يريد أن يصل إلى الحقيقة كما اتهمه نصر الله، مذكراً أن بيطار سبق وطلب منه قبل القاضي فادي صوان تولي التحقيقات ورفض، متسائلاً "هل من رفض المسؤولية في المرة الأولى يكون له أهداف سياسية؟".
ويضيف متحدثاً عن بيطار "هو من بين القضاة القلائل الذين لا انتماء سياسياً له ولا لون سياسياً ولم يتعاط السياسة يوماً. وبالتالي كل التهم الموجهة ضده في هذا الخصوص لا مستند واقعياً لها، وهي اتهامات يقول جعجع باطلة، والهدف منها التشويش على مسار التحقيقات".
يسأل رئيس حزب القوات اللبنانية "أين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، والحكومة، ووزير العدل من كلام نصر الله وتهديداته؟"، ويضيف "من الطبيعي أن يحاول السيد حسن الدفاع عن حزبه بضرب صورة المحقق العدلي، لكن من غير المفهوم ألا يدافع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير العدل عن القضاء، لماذا لا يتخذون موقفاً واضحاً ومباشراً ويطلبون من نصر الله وقف تهديداته وتدخلاته في عمل المحقق العدلي، وأن ينتظر القرار الظني حتى يدلي بموقفه من التحقيقات؟".
القضاء اللبناني لن يتمكن من أن يبدأ بالملف
في سياق متصل، يستعرض وزير العدل السابق شارل رزق لـ"اندبندنت عربية" كل مسار ملف انفجار مرفأ بيروت منذ تولي المحقق العدلي القاضي فادي صوان القضية واستبعاده من الملف مروراً بتعيين القاضي طارق بيطار محققاً عدلياً جديداً، وهو يحاول في مهمة صعبة بحسب رزق التقدم في التحقيقات في وجه طبقة سياسية بكاملها تقف ضده، ليصل إلى استنتاج بأن القضاء في لبنان لن يتمكن من يبدأ بالملف وليس أن ينهيه.
ويؤكد أنه من الواضح أن هذا الملف يتجاوز القضاء اللبناني بدليل أن ما حصل مع صوان هو ما يحصل حالياً مع القاضي بيطار. "عبثاً سيحاول القاضي استكمال التحقيقات"، يقول رزق لكنه لن ينجح، موضحاً أن لبنان بلغ الحضيض و"بتنا نتجه أكثر فأكثر إلى التخلف للأسف، فالطريقة التي تدار بها البلاد والنهج المعتمد حتى الآن لن يوصلا إلا إلى التخلف".
ويفتح رزق في هذا الإطار هلالين ليثبت كلامه فيتوقف عند إعلان رئيس بلدية الغبيري المقرب من "حزب الله" بتشييد معمل للكهرباء مقدم من إيران بالقرب من مطار رفيق الحريري الدولي، ما يعني أن إدارة المطار ستضطر، بحسب رزق، إلى إقفال مدرجين من ثلاثة بسبب الدخان الأسود الذي سيغطي المنطقة جراء معمل الكهرباء، وهذا يعني أن مطار لبنان الدولي سيصبح مطاراً محلياً كمطار حمص وحماة، ما يعيد لبنان إلى الوراء"، متسائلاً "لا مرفأ ولا مطار أليس هذا التخلف بعينه؟".
شبيه بما حصل في قضية اغتيال الحريري
في المقابل، يقول وزير العدل السابق "إن الوقائع الحالية المحيطة بملف انفجار المرفأ تذكرني بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري" وهو رافق تلك القضية منذ بداياتها.
وبحسب رزق كان القضاء اللبناني أكبر من أن يتولى قضية مثل اغتيال الحريري، وبالتالي لم يبق أمامنا سوى اللجوء إلى القضاء الدولي.
هل الظروف هي نفسها اليوم للذهاب إلى القانون الدولي؟ يجيب رزق مؤكداً أنه ثبت منذ الحرب العالمية أن أي محكمة دولية لا يمكن أن تصل إلى نتيجة إلا إذا كانت مدعومة دولياً، ويعطي مثالاً على ذلك محكمة نورمبرغ لمحاكمة النازيين عام 1945، التي تعد من أكثر المحاكم إنتاجية وفعالية، والتي نجحت بفعل الدعم الدولي لها لا سيما الدعم الأميركي، بحيث أرادت الولايات المتحدة آنذاك ضم ألمانيا إلى الكتلة الغربية في وجه الاتحاد السوفياتي.
ويتساءل "أين الدعم الدولي الآن للبنان؟ فأميركا تسعى وراء إيران لتبيث الاتفاق النووي، وحكومة ميقاتي لم تكن لتشكل لو لم يكن المطلوب الآن مشاركة الأردن والإمارات وسوريا ولبنان مع إيران".
إذا صدر القرار بمحاكمة "حزب الله" بـ"يخرب البلد"
مستقبل قضية المرفأ بحسب رزق، يجب أن يسلك المسار نفسه الذي اتبعه ملف اغتيال الحريري، مضيفاً "تبين في النهاية أن المتخوفين من القضاء الدولي، لم يكن خوفهم في محله بعد صدور القرار الظني، كما تم استيعاب الذين كانوا مستعدين للذهاب إلى حرب أهلية إذا لم تشكل المحكمة الدولية أيضاً"، كما جاء في تقرير "إندبندنت عربية".
واستناداً إلى هذه القراءة يعتبر رزق أن الطريق الأسلم هو الذهاب إلى القانون الدولي لأن انفجار المرفأ أكبر من القضاء اللبناني، ولأن مهمة القضاء بشكل أساسي تبقى بحسب رأيه الحفاظ على أمن المجتمع عبر تطبيق القانون وإحقاق الحق، وبالتالي حتى لا يخرب لبنان علينا نقل القضية إلى الخارج. ولدى سؤالنا لماذا سيخرب البلد إذا استكمل القاضي عمله يجيب سريعاً "إذا صدر قرار بمحاكمة حزب الله ماذا سيحصل، بيخرب البلد، كما في حال عدم تمكن تحديد المحقق العدلي المسؤول عن الانفجار، فسيخرب البلد أيضاً".