تدعيمًا لحديث قديم نسبيًا يتحدث عن علاقة ما بين النوم وداء السكري، توصل علماء فنلنديون إلى نتيجة شبيهة مفادها أن اضطراب النوم يتعلق جينيًا بداء السكري.
إيلاف من برلين: يمكن لاضطراب النوم، وخصوصًا قلته، أن يسبب الإرهاق وعدم التركيز وضعف التحصيل العلمي (لدى التلاميذ) وأمراض القلب والدورة الدموية وضعف المناعة الذاتية وارتفاع ضغط الدم وجملة من الأمراض الأخرى.
هرمون متحكم
ويقول العلماء الفنلنديون من جامعة هلسنكي، في ضوء دراسة جديدة، "قل لي كيف تنام، أقول لك إن كنت معرّضًا لخطر الإصابة بمرض السكري أم لا، لأن هناك علاقة ظاهرة بين النوم وارتفاع الغلوكوز في الدم".
كتب العلماء في مجلة"سيل" (الخلية) أن علاقة النوم بنشوء السكري ترتبط بمعدلات هرمون الميلاتونين في الدم. فهذا الهرمون يرتفع في الدم في الظلام، وفي الليل على وجه الخصوص، بينما تنخفض معدلاته في ضوء النهار. وهذا يعني أن هذا الهرمون يمسك بزمام مرض السكري، لأنه يقلل فرز هرمون الأنسولين عندما تزيد نسبته في الدم.
وذكرت الباحثة تيناميجا توموي، من عيادة جامعة هلسنكي، إن فريق عملها توصل إلى أن الميلوتونين يقلل نسبة الأنسولين في الدم. وهذا يزيد "حلاوة" الدم، ويمهد إلى ظهور السكري لدى الإنسان عند ضعف النوم.
أظهرت الدراسة أن علاقة السكري بالنوم لا تقتصر على طريقة نوم الإنسان وطوله فحسب، وإنما هناك علاقة جينية أيضًا بين الاثنين. ورصد الباحثون نشاطًا واضحًا في نشاط بعض الجينات، التي لها علاقة بفرز الميلاتونين في دماء المحرومين من النوم. المدهش أيضًا أن اضطراب تقلبات النوم والاستيقاظ يمهدان إلى نشوء السكري-2.
ارتفاع الكوليسترول السيئ
كما توصل الباحثون إلى أن قلة النوم لأسبوع واحد تكفي لرفع نسبة الميلاتونين في الدم، وبالتالي تقلل فرز الأنسولين، وتبقي نسبة الغلوكوز عالية لفترة طويلة لاحقة.
وكان حرمان المتطوعين من النوم أسبوعًا كافيًا للتأثير بشكل حاسم على عملية الاستقلاب أيضًا، خصوصًا عمليات التخلص من الكوليسترول السيئ (ل د ل)، وعملية استقلاب الكربوهيدرات في الجسم. ورصد الباحثون خمول نشاط بعض الجينات، التي تلعب دورًا حاسمًا في نقل الكوليسترول السيئ والتخلص منه.
جرت الدراسة على عدد كبير من الفنلنديين، بحسب واضعيها، وبالتعاون مع معهد الصحة العامة الفنلندي. وكان الباحث الألماني أنرياس فريتشة، من جامعة توبنغن، تحدث منذ العام 2008 عن خلل في الجينات، التي تتحكم بفرز الميلاتونين وبنشوء السكري-2، إلا أنه لم يثبت ذلك مخبريًا. كما إنه لم يربط ارتفاع سكر الدم بالعلاقة مع الحرمان من النوم.
طريق جديد
وفسر الباحث الألماني العلاقة بين قلة النوم ونشوء السكري على أساس أن عدم النوم يبعث الاضطراب في نظام المناعة، الذي يقلل بدوره فرز الأنسولين. مع ذلك، اعتبر فريتشة أن إثبات هذه العلاقة طريق جديد لمعالجة أحد أهم عوامل نشوء السكري.
خريطة العالم لداء السكري بين الذكور (حيث نسبة السكري تزداد كلما زاد تركيز اللون من الأصفر إلى الأحمر والأسود) |
وفي دراسة نشرت في مجلة "ديابيتيز" سنة 2014 توصل علماء أميركيون أيضًا إلى علاقة ما بين النوم والسكري، لكن عن طريق قياس رد فعل أجسامهم لهرمون الأنسولين في الدم.
وقسم الباحثون المتطوعين في المختبر إلى مجموعتين، تعمّدوا بعث الاضطراب في النوم في المجموعة الأولى طوال أسبوع، ولاحظوا خلال هذه الفترة أن حساسية أجسامهم للأنسولين (بمعنى ضعف تأثير الأنسولين على أجسامهم) انخفضت بشكل ظاهر مقارنة بأفراد المجموعة الثانية التي نام أفرادها بشكل جيد.
توتر العمل وهاجس البطالة
وكانت دراسة بريطانية، نشرها موقع "Webmd"، توصلت إلى أن عدم الاستقرار في العمل والخوف الدائم من خسارة الوظيفة، هما سبب مهم من أسباب الإصابة بمرض السكري في المجتمعات الغربية المتقدمة.
وذكر الباحثون من جامعة لندن (University College London)، أن المخاوف من فقدان العمل تتزايد في الدول المتقدمة مع زيادة استخدام العقود الموقتة وغيرها من أنواع العمل الموقت. وتؤكد النتائج التي توصلوا إليها أن انعدام الاستقرار في الوظيفة يسهم في زيادة خطر الإصابة بأمراض صحية عديدة، وأبرزها السكري.
نشرت الدراسة في مجلة الجمعية الطبية الكندية، واعتمدت تحليل معطيات 19 دراسة أخرى، شملت 81816 امرأة و59009 رجال من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا ودول أوروبية أخرى. قاربت أعمار الذين شملتهم الدراسة حوالى 42 سنة. وظهر من المقارنات أن حالات السكري بين العاملين الذين لا يملكون ضمانة على استمرارهم بالعمل تزيد بنسبة 19% على غيرهم ممن يشعر بالاستقرار في العمل.
وذكر حينها الدكتور جين فيري، من كلية الطب في جامعة لندن، أن نتائج الدراسة تنطبق مع دراسات أخرى تربط بين الشعور بعدم الاستقرار في العمل مع زيادة الوزن، وهو عامل خطير لمرض يمهّد بدوره إلى الإصابة بالسكري.