غالبًا ما تربط الدراسات الصحية الثراء بالتحصيل الأكاديمي الأفضل والحياة الصحية الجيدة وفرص العيش الأفضل مقارنة بحظوظ الفقراء وضعيفي الحال، لكن دراسة أميركية جديدة رصدت مخاطر سرطان جلد أكبر بين الأثرياء.
إيلاف من برلين: كان المعتقد أن سرطان الجلد ينتشر بين ضعيفي الحال، أكثر من انتشاره بين الميسورين، كما هي الحال مع الأمراض الأخرى، لكن الظاهر أن هذا السرطان، سواء النوع "الأسود" الخبيث منه (الميلانوما) أو "الأبيض" (سرطان الخلايا الشوكية (سبيناليوما) كمثال، يلاحق الأثرياء أكثر من غيرهم.
لا يعرف العلم اليوم الكثير عن الأسباب الغامضة لنشوء سرطان الجلد، لكنه يعرف الكثير عن العوامل الأخرى المسببة، التي تمتد بين التعرّض للأشعة فوق البنفسجية في نور الشمس، والالتهابات الفيروسية، والحساسيات، وأمراض المناعة الذاتية، تضاف إليها ممارسة الرياضة وطريقة التغذية...إلخ.
الآن كشف فريق من علماء معهد هنتسمان للأبحاث السرطانية في جامعة يوتاه عن دراسة جديدة تتعلق حول العلاقة بين سرطان الجلد والحالة الاجتماعية. وتوصلوا إلى أن المحيط الاجتماعي يلعب دورًا مهمًا في الإصابة بسرطان الجلد. بل وجدوا أيضًا أنه يمكن إخبار أهل الطفل عن الأمراض السرطانية، التي قد يتعرّض لها مستقبلًا، من قراءة البيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها.
يختلف نوع السرطان، بشكل عام، وليس سرطان الجلد فقط، بين الفقراء والأغنياء، وهناك العديد من الدراسات التي تناولت ذلك. وبينما تشق بعض الأورام السرطانية طريقها في أجساد الأثرياء، تهدد أنواع سرطانية أخرى أجساد الفقراء.
الجلد للرجال والثدي للنساء
تفحص العلماء حياة النساء والرجال من مواليد 1945 إلى 1959 طوال 18 سنة على الأقل التي تلت ولادتهم، وذلك في منطقتين من يوتاه، وهما سالت ليك وويبر.
واتضح أن الذكور الذين ولدوا في تلك الفترة، وتلك المنطقة، لأبوين من مرتبة اجتماعية عالية، أصيبوا أكثر من غيرهم بسرطاني الجلد والبروستات. وكان أولاد الأثرياء أكثر عرضة لخطر سرطان الجلد الخبيث، المسمى بالميلانوما أو"الأسود". وحينما تفحصوا الإناث أنفسهن من ولادات السنوات نفسها في المنطقة، ومن المرتبة الاجتماعية نفسها، وجدو أنهن أصبن بسرطان الثدي أكثر من غيرهن.
وكشفت متابعة حياة الذين ولدوا في تلك الفترة، من الإناث والذكور، من المرتبات الاجتماعية المتواضعة، أنهم كانوا أقل عرضة بشكل ظاهر لسرطان الجلد والبروستات (الذكور) وأقل عرضة أيضًا لسرطان الثدي (النساء). والفرق الوحيد هنا هو أن النساء من الطبقات الفقيرة كن أكثر عرضة قليلًا من النساء الثريات لسرطان الرحم.
الفاتح لا يقل خطورة
يظهر من بيانات المرضى، من كل الطبقات، أن شر سرطان الجلد الأبيض لا يقل خطورة على الناس من الطبقات كافة. ووجدت الدراسة أن السرطان الأبيض لا يقل انتشارًا في يوتاه عن الميلانوما بين ميسوري الحال.
إذ يعيش العالم، وخصوصًا في أوروبا وأميركا، حالة خوف، بسبب انتشار سرطان الجلد الخبيث، المسمى الميلانوما، لكنهم يقللون من شأن السرطان الأبيض أو الفاتح.
ونجحت شركات الأدوية والمواد التجميلية في إنتاج العديد من المراهم التي تخفف تأثير ضوء الشمس على البشرة البيضاء، وتقلل بالتالي خطر الإصابة بهذا السرطان، إلا أن العلماء لم يعطوا اهتمامًا كافيًا للنوع الثاني من السرطان المسمى بـ "الفاتح". وحذرت جمعية عقاقير الجلد الأميركية من أن سرطان الجلد "الفاتح" أصبح اليوم أكثر انتشارًا من سرطان الجلد الأسود أو الميلانوما.
دور تحذيري
وقال الدكتور كين سميث، من جامعة يوتاه، إن الدراسة لا تكشف عن أسباب هذه العلاقة الغريبة بين السرطان، وبعض أنواعه على وجه الخصوص، مثل سرطان الجلد الاسود، لكنها تعين الطب على تحذير الناس من الأمراض الخطيرة التي قد يتعرّضون إليها أكثر من غيرهم.
وهذا يعني أن التنبؤ بهذه المخاطر أصبح ممكنًا منذ الولادة، ويتيح بالتالي للعائلة اتخاذ جملة إجراءات احترازية لتجنب الإصابة بهذه الأمراض. وربما يسمح مثل هذا التنبؤ في التشخيص المبكر الذي يعني إنقاذ حياة المريض. وتحدث سميث عن دراسات أخرى ينوي إجراءها بهدف الكشف عن مسببات العلاقة بين نوع الورم السرطاني والحالة الاجتماعية للمصاب.
جدير بالذكر أن سرطان الجلد الأبيض أصاب 207 آلاف ألماني في العام 2013، إضافة إلى 19200 ألماني أصيبوا بسرطان الجلد الأسود، بينهم 9640 رجلًا و9580 امرأة. وأودى سرطان الجلد من النوعين بحياة 2711 ألماني في ذلك العام نفسه.